وذكر صاحب كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (١) أن هذه البحرية تسمّى بحيرة كورى (٢) منسوبة لطائفة من السودان ، يسكنون حولها متوحّشين يأكلون من وقع إليهم من الناس ، فإذا خرج النيل منها يشقّ بلاد كورى ثمّ بلاد ننه طائفة من السودان ، بين كانم والنوبة ، فإذا بلغ دنقلة مدينة النوبة عطف من غربيّها إلى المغرب ، وانحدر إلى الإقليم الثاني ، فيكون على شطئه عمارة النّوبة ، وفيه هناك جزائر متّسعة عامرة بالمدن والقرى ، ثمّ يشرّق إلى الجنادل ، وإليها تنتهي مراكب النوبة انحدارا ، ومراكب الصعيد الأعلى صعودا وهناك أحجار مضرّسة لا مرور للمراكب عليها إلا في أيام زيادة النيل ، ثمّ يأخذ الشمال ، فيكون على شرقيّه مدينة أسوان من الصعيد الأعلى ، ثمّ يمرّ بين جبلين مكتنفين لأعمال مصر شرقيّ وغربيّ إلى الفسطاط ، فإذا تجاوزها مسافة يوم انقسم إلى قسمين أحدهما يمرّ حتى يصبّ في بحر الروم عند دمياط ، ويسمّى بحر الشرق والآخر وهو عمود النيل ومعظمه يمرّ إلى أن يصب عند رشيد ، ويسمى بحر الغرب ، ومسافة النيل من منبعه إلى أن يصبّ في رشيد سبعمائة فرسخ وثمانية وأربعون فرسخا.
وقيل إنه يجري في الخراب أربعة أشهر ، وفي بلاد السودان شهرين ، وفي بلاد الإسلام شهرا ، وليس في الأرض نهر يزيد حين تنقص الأنهار غيره ؛ وذلك أنّ زيادته تكون في القيظ الشديد في شمس السرطان والأسد والسنبلة. وروي أنّ الأنهار تمدّه بمائها.
وقال قوم : إنّ زيادته من ثلوج يذيبها الصّيف وعلى حسب مدّها تكون كثرته وقلّته.
وذهب آخرون إلى أنّ زيادته بسبب أمطار كثيرة تكون ببلاد الحبشة.
وذهب آخرون إلى أنّ زيادته عن اختلاف الريح ، وذلك أنّ الشمال إذا هبّت عاصفة يهيج البحر الروميّ ، فيدفع إليه ما فيه منه ، فيفيض على وجه الأرض ، فإذا هبّت الجنوب سكن هيجان البحر ، فيسترجع منه ما دبّ إليه ، فينقص.
وزعم آخرون أنّ زيادته من عيون على شاطئه ، يراها من سافر ولحق بأعاليه.
وقال آخرون : إنّ مجراه من جبال الثلج ، وهي بجبل قاف ، وأنه يخرق البحر
__________________
(١) للإدريسي.
(٢) في مروج الذهب : ١ / ٣٨٧ : البحيرة التي لا يدرك طولها وعرضها ، وهي نحو الأرض التي الليل والنهار فيها متساويان طول الدهر.