قال في مختصر المسالك : وذكر بعضهم أنّ أناسا انتهوا إلى هذا الجبل وصعدوه ، فرأوا وراءه بحرا عجّاجا ماؤه أسود كاللّيل ، يشقّه نهر أبيض كالنهار ، يدخل الجبل من جنوبه ، ويخرج من شماله ، ويتشعّب على قبّة هرمس المبنيّة هناك.
وزعموا أن هرمس (١) الهرامسة ـ وهو إدريس عليهالسلام فيما يقال ـ بلغ ذلك الموضع ، وبنى فيه قبّة.
وذكر بعضهم أنّ أناسا صعدوا الجبل ، فصار الواحد منهم يضحك ويصفّق بيديه ، وألقى نفسه إلى ما وراء الجبل ، فخاف البقيّة أن يصيبهم مثل ذلك فرجعوا.
وقيل : إنّ أولئك إنّما رأوا حجر الباهت ، وهي أحجار برّاقة كالفضّة البيضاء تتلألأ ، كلّ من نظرها ضحك والتصق بها حتّى يموت ، ويسمى مغناطيس الناس.
وذكر بعضهم أنّ ملكا من ملوك مصر الأول ، جهّز أناسا للوقوف على أوّل النيل ، فانتهوا إلى جبال من نحاس ، فلما طلعت عليها الشمس انعكست عليها ، فأحرقتهم.
وقيل إنّهم انتهوا إلى جبال برّاقة لمّاعة كالبلّور ، فلمّا انعكست عليهم أشعّة الشمس الواقعة عليهم أحرقتهم.
وقال صاحب مرآة الزمان : ذكر أحمد بن بختيار أنّ العين التي هي أصل النيل ، هي أوّل العيون من جبل القمر ، ثمّ نبعت منه عشرة أنهار ، نيل مصر أحدها. قال : والنّيل يقطع الإقليم الأوّل ، ثمّ يجاوزه إلى الثاني ، ومن ابتدائه ، من جبل القمر إلى انتهائه إلى البحر الروميّ ، ثلاثة آلاف فرسخ ، ويبتدئ بالزيادة في نصف حزيران ، وينتهي إلى أيلول.
قال : واختلفوا في سبب زيادته ، فقال قوم : لا يعلم ذلك إلا الله.
وقال آخرون : سببه زيادة عيونه.
وقال آخرون ، وهو الظاهر : سببه كثرة المطر والسيول ببلاد الحبش والنوبة ، وإنما يتأخر وصوله إلى الصيف لبعد المسافة. ورد ذلك قوم بأنّ عيونه الّتي تحت جبل القمر تتكدّر في أيام زيادته ، فدلّ على أنّه فعل الله من غير زيادة بالمطر. قال : وجميع الأنهار تجري إلى القبلة سواه ، فإنه يجري إلى ناحية الشمال. وكان القاضي بحماه قال : ومتى
__________________
(١) في النجوم الزاهرة : ١ / ٥١ : هرمس المثلث الموصوف بالحكمة وهو الذي تسميه العبرانيون خنوخ.