وقال صاحب مباهج الفكر : المقياس الذي بأنصنا ينسب لأشمون بن قفطيم بن مصر ، ويقال إنّه من بناء دلوكة ، وبناؤه كالطيلسان ، وعليه أعمدة بعدد أيام السنة من الصوّان الأحمر.
ورأيت في بعض المجاميع ما نصّه : قال ابن حبيب : وجدت في رسالة منسوبة إلى الحسن بن محمد بن عبد المنعم ، قال : لمّا فتحت مصر عرف عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عن وقوف النّيل عن مدّه في مقياس لهم فضلا عن تقاصره ، وإنّ فرط الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار ، ويدعو الاحتكار إلى تصاعد الأسعار بغير قحط ، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يسأله عن شرح الحال ، فأجابه. فقال عمرو : إنّي وجدت ما تروى به مصر حتّى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا ، والحدّ الذي يروى منه سائرها حتّى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا ، والنهايتين المخوّفتين في الزيادة والنقصان ـ وهو الظمأ والاستبحار ـ اثنتا عشرة ذراعا في النقصان ، وثماني عشرة ذراعا في الزيادة ؛ هذا والبلد في ذلك محفور الأنهار ، معقود الجسور عندما تسلّموه من القبط وخمير (١) العمارة فيه.
فاستشار عمر بن الخطاب عليّ بن أبي طالب في ذلك ، فأمره أن يكتب إليه بأن يبني مقياسا ، وأن ينقص ذراعين على (٢) اثنتي عشر ذراعا ، وأن يقرّ ما بعدها على الأصل ، وأن ينقص من [كل](٣) ذراع بعد الستّة عشر ذراعا إصبعين.
ففعل ذلك وبناه بحلوان ، فاجتمع له ما أراد من حال الأرجاف ، وزال ما منه كان يخاف ، بأن يجعل الاثنتي عشرة ذراعا أربع عشرة ذراعا ؛ لأنّ كلّ ذراع أربعة وعشرون إصبعا ، فجعلها ثمانية وعشرين من أوّلها إلى الاثنتي عشرة ذراعا ، تكون مبلغ الزيادة على الاثنتي عشرة ثمانية وأربعين إصبعا ؛ وهي الذراعان ، وجعل الأربع عشرة ستّ عشرة والستّة عشرة ثماني عشرة ، والثماني عشرة عشرين ذراعا ، وهي المستقرّة الآن.
وقال بعضهم : كتب الخليفة جعفر المتوكّل إلى مصر يأمر ببناء المقياس الجديد الهاشميّ في الجزيرة سنة سبع وأربعين ومائتين ؛ وكان الذي يتولّى أمر المقياس النصارى ، فورد كتاب أمير المؤمنين المتوكّل في هذه السنة على بكّار بن قتيبة قاضي مصر ، بألّا يتولّى ذلك إلّا مسلم يختاره ؛ فاختار القاضي بكّار لذلك الردّاد عبد الله بن
__________________
(١) في النجوم الزاهرة : ١ / ٣٧٥ : خميرة.
(٢) وفيه أيضا : من.
(٣) هكذا في المرجع السابق.