لما قضى ابن بغا بالرّقتين ملا |
|
ساقيه درقا إلى الكعبين والعقب (١) |
بنى الجزيرة حصنا يستجنّ به |
|
بالعسف والضرب ، والصنّاع في تعب |
وواثب الجيزة القصوى فخندقها |
|
وكاد يصعق من خوف ومن رعب |
له مراكب فوق النيل راكدة |
|
لما سوى القار للنّظار والخشب |
ترى عليها لباس الذّلّ مذ بنيت |
|
بالشطّ ممنوعة من عزّة الطّلب |
فما بناها لغزو الروم محتسبا |
|
لكن بناها غداة الرّوع للهرب |
وقال سعيد القاصّ من أبيات :
وإنّ جئت رأس الجسر فانظر تأمّلا |
|
إلى الحصن أو فاعبر إليه على الجسر |
ترى أثرا لم يبق من يستطيعه |
|
من النّاس في بدو البلاد ولا حضر |
وما زال حصن الجزيرة هذا عامرا أيّام بني طولون ؛ حتّى أخذه النيل شيئا فشيئا ، وقد بقيت منه بقايا متقطّعة إلى الآن.
وكان نقل الصّناعة من الجزيرة إلى ساحل مصر في شعبان سنة خمس وعشرين وثلثمائة ، وبنى مكانها البستان المختار ، وصرف على بنائه خمسة آلاف دينار ؛ فاتّخذه الإخشيد متنزّها به ، وصار يفاخر به أهل العراق ، ولم يزل متنزّها إلى أن زالت الدّولة الإخشيديّة والكافوريّة ، وقدمت الدولة العبيدية ؛ فكان يتنزّه فيه المعزّ والعزيز ، وصارت الجزيرة مدينة عامرة بالناس ، بها وال وقاض. وكان يقال : القاهرة ومصر والجزيرة ؛ فلمّا استولى الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الدين ، أنشأ في بحريّ الجزيرة بستانا نزها سمّاه الروضة ، وتردّد إليه تردّدات كثيرة ؛ ومن حينئذ صارت الجزيرة كلّها تعرف بالروضة.
قال ابن ميسر في تاريخ مصر : أنشأ الأفضل الرّوضة بحريّ الجزيرة ، وكان يمضي كلّ يوم إليها في العشاريّات الموكبيّة ، وكان قتل الأفضل في سنة خمس عشرة وخمسمائة.
قال : وفي سنة ستّ عشرة وخمسمائة ، نقل المأمون البطائحيّ الوزير عمارة المراكب الحربيّة من الصناعة التي بجزيرة مصر إلى الصناعة القديمة بساحل مصر ، وبنى عليها منظرة كانت باقية إلى آخر أيام الدولة العلوية ، فلما استبدّ الخليفة الآمر بالأمر ، أنشأ بجوار البستان المختار من جزيرة الرّوضة مكانا لمحبوبته البدويّة عرف بالهودج (٢) ،
__________________
(١) الدرق : الصلب من كل شيء.
(٢) انظر الخطط المقريزية : ٢ / ١٩٣.