الروم منها خرّب عمرو بن العاص بعض أبراجها وأسوارها ، وكانت مستديرة عليها ، واستمرّت إلى أن عمّر حصنها أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين [ومائتين] ، ولم يزل هذا الحصن حتّى خرّبه النيل.
وقال المقريزي : اعلم أن الجزائر التي هي الآن في بحر النيل كلّها حادثة في الإسلام ما عدا الجزيرة التي تعرف اليوم بالروضة تجاه مدينة مصر ؛ فإنّ العرب لمّا دخلوا مع عمرو بن العاص إلى أرض مصر وحاصروا الحصن الذي يعرف اليوم بقصر الشمع في مصر ؛ حتّى فتح الله عنوة على [يد] المسلمين ، وكانت هذه الجزيرة حينئذ تجاه القصر ، لم يبلغني إلى الآن متى حدثت ، وأما غيرها من الجزائر كلّها فقد تجدّدت بعد فتح مصر ، وإلى هذه الجزيرة التجأ المقوقس لمّا فتح الله على المسلمين القصر ، وصار بها هو ومن معه من جموع الروم والقبط.
وقال ابن عبد الحكم : كان بالجزيرة في أيام عبد الملك بن مروان أمير مصر خمسمائة فاعل عدّة لحريق إن كان في البلاد أو هدم.
وقال الكنديّ : بنيت بالجزيرة الصّناعة في سنة أربع وخمسين : والصنّاعة اسم لمكان قد أعدّ لإنشاء المراكب البحرية ـ وأوّل صناعة عملت بأرض مصر التي بنيت بالروضة في سنة أربع وخمسين من الهجرة ، فاستمرّت إلى أيّام الإخشيد ، فأنشأ صناعة بساحل فسطاط مصر ، وجعل موضع الصناعة التي بالروضة بستانا سمّاه المختار (١).
وقال القضاعيّ : حصن الجزيرة بناه أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستّين ومائتين ، ليحرز فيه حريمه وماله ، وكان سبب ذلك مسير موسى بن بغا من العراق واليا على مصر ، وجميع أعمال ابن طولون ، وذلك في خلافة المعتمد على الله ، فلمّا بلغ أحمد بن طولون مسيره تأمّل مدينة فسطاط مصر ، فوجدها لا تأخذ (٢) إلا من جهة النيل ، فبنى الحصن بالجزيرة التي بين الفسطاط والجيزة ليكون معقلا لحريمه وذخائره ، واتّخذ مائة مركب حربية سوى ما يضاف إليها من العشاريّات وغيرها ؛ فلما بلغ موسى بن بغا بالرّقة تثاقل عن المسير لعظم شأن ابن طولون وقوّته ، ثمّ لم يلبث موسى أن مات ، وكفى ابن طولون أمره.
وقال محمد بن داود لأحمد بن طولون :
__________________
(١) الخطط المقريزية : ٢ / ١٨٣.
(٢) لعلّ الصواب : لا تؤخذ.