مكانه قاعة ، وقدّر له صفتها ، فهدم ذلك المسجد ، وعمّر تلك القاعة مكانه وكملت.
وقدم الفرنج على الديار المصريّة ، وخرج الملك الصالح مع عساكره إليهم ، ولم يدخل تلك القاعة التي بنيت في مكان المسجد ، فتوفّي السلطان بالمنصورة ، وجعل في مركب ، وأتي به إلى الروضة فجعل في تلك القاعة التي بنيت مكان المسجد مدّة إلى أن بنيت له التربة التي في جنب مدرسته بالقاهرة. وكان النيل في القديم محيطا بالرّوضة طول السنة ، وكان فيما بين ساحل مصر والروضة جسر من خشب ، وكذلك فيما بين الروضة والجيزة جسر من خشب يمرّ عليهما الناس والدوابّ من مصر إلى الروضة ، ومن الروضة إلى الجيزة ؛ وكان هذان الجسران من مراكب مصطفّة بعضها بحذاء بعض ، وهي موثّقة ، ومن فوق المراكب أخشاب ممتدّة فوقها تراب.
وكان عرض الجسر ثلاث قصبات ، ولم يزل هذا الجسر قائما إلى أن قدم المأمون مصر ، فأحدث جسرا جديدا ، فاستمرّ الناس يمرّون عليه ، وكان عبور العساكر التي قدمت من المعزّ مع جوهر القائد على هذين الجسرين ، وكان الجسر المتّصل بالروضة كرسيّه حيث المدرسة الخروبية قبلي در النحاس ، وكان النّيل عندما عزم الملك الصالح على عمارة قلعة الروضة قد انطرد عن برّ مصر ، ولا يحيط بالرّوضة إلّا في أيام الزيادة ، فلم يزل يغرق السفن في ناحية الجيزة ، ويحفر فيما بن الروضة ومصر ما كان هناك من الرّمال ، حتّى عاد ماء النيل إلى برّ مصر ، واستمرّ هناك ، فأنشأ جسرا عظيما ممتدّا من برّ مصر إلى الروضة ، وجعل عرضه ثلاث قصبات. وكان كرسيّه حيث المدرسة الخروبيّة قبليّ دار النحاس ، وصار أكثر مرور الناس بأنفسهم ودوّابهم في المراكب ؛ لأنّ الجسرين قد اجترما (١) بحصولهما في حيّز قلعة السلطان ، وكان الأمراء إذا ركبوا من منازلهم يريدون الخدمة إلى السلطان بقلعة الروضة يترجّلون عن خيولهم عند البرّ ، ويمشون في طول الجسر إلى القلعة ولا يمكن أحد من العبور عليه راكبا ، سوى السلطان فقط.
ولما كملت تحوّل إليها بأهله وحريمه ، واتّخذها دار ملك ، وأسكن معه فيها مماليكه البحرية ؛ وكانت عدتهم نحو الألف. وما برح الجسر قائما إلى أن خرّب العز أيبك قلعة الروضة بعد سنة ثمان وأربعين وستمائة ، فأهمل ، ثم عمّره الظاهر بيبرس على المراكب ، وعمله من ساحل مصر إلى الروضة ، ومن الروضة إلى الجيزة ، لأجل عبور العسكر عليه لمّا بلغه حركة الفرنج.
__________________
(١) اجترما : انقضيا.