قصد المستغير لا قصد المغير ، وأن تحكم فيها بحكم الله الذي قضاه على لسان سعد في بني قريظة والنّضير ، وعلى الخصوص البيت المقدّس فإنّه بلاد الإسلام القديم ، وأخو البيت الحرام في شرف التعظيم ، والّذي توجّهت إليه الوجوه من قبل بالسجود والتسليم. وقد أصبح وهو يشكو طول المدّة في أسر رقبته ، وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة في غربتها عنه وغربته. فانهض إليه نهضة متوغّل في فرحه ، وتبدل صعب قياده بسمحه ؛ وإن كان له عام حديبيّة فاتّبعه بعام فتح. وهذه الاستزادة بعد سداد ما في اليد من ثغر كان مهملا فحميت موارده ، أو مستهدما فرفعت قواعده ، ومن أهمّها ما كان حاضر البحر كأنّه أعمه عورته مكشوفة ، وخطّة مخوفة ، والعدوّ قريب منه على بعده. وكثيرا ما يأتيه فجاءة حتّى يشقّ برقه برعده ؛ فينبغي أن ترتّب بهذه الثغور رابطة يكثر شجعانها ، ويقلّ أقرانها ، ويكون قتالها لأن تكون كلمة الله هي العليا لا لأن يرى مكانها ، وحينئذ يصبح كلّ منها وله من الرجال أسوار ، ويعلم أهله أن بناء السيف أمنع من بناء الأحجار ؛ ومع هذا فلا بدّ له من أسطول يكثر عدده ، ويقوى مدده ، فإنه العمدة التي يستعين بها على كشف العماء ، والاستكثار من سبايا العبيد والإماء ، وجيشه أخو الجيش السليمانيّ ، فذاك يسري على متن الريح وهذا يجري على متن الماء.
ومن صفات خيله أنّها جمعت بين العوم والمطار ، وتساوت أقدار خلقها على اختلاف مدّة الأعمار ، فإذا أشرعت قيل جبال متلفّعة بقطع من الغيوم ، وإذا نظر إلى أشكالها قيل أهلّة غير أنّها تهتدي في مسيرها بالنجوم ، ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالى من جيادها ، ويستكثر من قيادها ، وليؤمّر عليها أمير يلقى البحر بمثله من سعة صدره ، ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها ، ولكن قتلها بخبره ؛ وكذلك فليكن ممّن أفنت الأيّام تجاربه ، ورحمتها مناكبه ، وممّن بذل الصّعب إذا هو ساسه وإن سيس لان جانبه ، وهذا هو الرجل الذي يرأس على القوم فلا يجد هذه بالرئاسة ، فإن كان في الساقة ففي الساقة أو كان في الحراسة ففي الحراسة. ولقد أفلحت عصابة اعتصبت من ورائه ، وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنجح من رأيه.
واعلم أنّه قد أخلّ من الجهاد بركن يقدح في علمه ، وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أنّ صدق النيّة تأتي في أوّله ؛ وذلك هو قسم الغنائم ، فإنّ الأيدي قد تناولته بالإجحاف ، وخلطت جهادها فيه بفلولها ، فلم ترجع بالكفاف. والله قد جعل الظلم في تعدّي حدوده المحدودة ، وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة ؛ ونحن نعوذ به أن يكون زماننا هذا شرّ زمان وناسه شرّ ناس ، ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه ثمّ نهمله إهمال مضيع ولا إهمال ناس.
والذي نأمرك به أن تجري هذا الأمر على المنصوص من حكمه ، وتبرّئ ذمّتك