ينتخبه من الشجعان الكماة ، وأن يؤكّد عليهم في استعمال أسباب الحيطة والاستظهار ، ويوقظهم إلى الاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار ، وأن يكون المشار إليهم ممن تربّوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد ، وتدرّبوا في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد ، وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد ، وكثرة العدد ، والتّوسعة في النفقة والعطاء ، والعمل معهم بما يقتضيه حالهم وتفاوتهم في التقصير والعناء ، إذ في ذلك حسم لمادة الأطماع في بلاد الإسلام ، وردّ لكيد المعاندين من عبدة الأصنام ؛ فمعلوم أنّ هذا الفرض أول ما وجّهت إليه العنايات وصرفت ، وأحقّ ما قصرت عليه الهمم ووقفت ؛ فإنّ الله تعالى جعله من أهمّ الفروض التي لزم القيام فيها بحقّه ، وأكبر الواجبات التي كتب العمل بها على خلقه ، فقال سبحانه وتعالى هاديا في ذلك إلى سبيل الرشاد ، ومحرّضا لعباده على قيامهم له بفرض الجهاد : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ ...) [التوبة : ١٢٠] ، إلى قوله تعالى : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [التوبة : ٢١] ، وقال تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من نزل منزلا يخيف فيه المشركين ويخيفونه ، كان له كأجر ساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة ، وأجر قائم لا يقعد إلى يوم القيامة ، وأجر صام لا يفطر» .. وقال صلىاللهعليهوسلم : «غدوة في سبيل الله أو روحة خير ممّا طلعت عليه الشمس» ، هذا قوله صلىاللهعليهوسلم في حقّ من سمع هذه المقالة فوقف لديها ، فكيف بمن كان قال عليهالسلام : «ألا أخبركم بخير النّاس! ممسك بعنان فرسه في سبيل الله ، كلّما سمع هيعة (١) طار إليها».
وأمره باقتفاء أوامر الله تعالى في رعاياه ، والاهتداء إلى رعاية العدل والإنصاف والإحسان بمراشده الواضحة ووصاياه ؛ وأن يسلك في السياسة به سبيل الصّلاح ويشملهم بلين الكنف وخفض الجناح ، ويمد ظلّ رعايتهم على مسلمهم ومعاهدهم ، ويزحزح الأقذاء والشوائب عن مناهلهم في العدل ومواردهم ، وينظر في مصالحهم نظرا يساوي فيه بين الضعيف والقويّ ، ويقوم بأودهم قياما تهتدي به ويهديهم إلى الصراط السويّ ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...) [النحل : ٩٠].
وأمره باعتماد أسباب الاستظهار والأمنة واستقصاء الطاقة المستطاعة والقدرة الممكنة ، في المساعدة على قضاء تفث (٢) حجّاج بيت الله الحرام ، وزوّار نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام ، وأن يمدّهم بالإعانة في ذلك على تحقيق الرجاء وبلوغ المرام ،
__________________
(١) الهيعة : صوت تفزع منه وتخافه من عدوّ.
(٢) التفث : الوسخ.