فإنّ بعضه ليس منه ، واحترس من البيات فإنّ في العرب غرة. وأقلل من الكلام فإنّما لك ما وعي عنك ، واقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في سريرتهم. وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه (١).
فكتب خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس مع ابن بقيلة الغسّاني (٢) :
الحمد لله الذي فضّ حزمتكم ، وفرّق جمعكم وأوهى بأسكم ، وسلب ملككم وأذلّ عزّكم ، فإذا أتاكم كتابي هذا فابعثوا إليّ بالرّهن واعتقدوا منّا الذّمّة ، وأجيبوا إلى الجزية وإلّا والله الذي لا إله إلا هو لأسيرنّ إليكم بقوم يحبّون الموت كما تحبّون الحياة ، ويرغبون في الآخرة كما ترغبون في الدنيا (٣).
__________________
(١) ذكرت هذه الوصيّة في عيون الأخبار ١ : ١٠٨ ، ١٠٩ على أنها مما أوصى به أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين وجهه إلى الشام ، وزاد فيها ـ أي ابن قتيبة ـ بعد قوله : «ما وعي عنك» ما يلي :
وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه ، فإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة وامنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين ، ولا تلجنّ في عقوبة فإن أدناها وجع ولا تسرعن إليها وأنت تكتفي بغيرها كما زاد بعد قوله «وكلهم لله في سريرتهم ـ سرائرهم» قوله : ولا تجّسس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وذكرت في العقد الفريد ١ : ١٢٩ كما وردت في تحفة الأنفس.
(٢) ابن بقيلة الغساني ت ١٢ ه ـ ٦٣٣ م : عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني ، معمّر ، من الدهاة ، من أهل الحيرة (في العراق) له شعر وأخبار ، يقال : إنه باني قصر الحيرة ، عاش زمنا طويلا في الجاهلية وأدرك الإسلام ، وظل على النصرانية ، واجتمع به خالد بن الوليد في الحيرة. ووقع اسمه في بعض المصادر (كالعقد) ابن نفيلة وهو خطأ من النساخ. ففي أمالي المرتضى : كان بقيلة يدعى ثعلبة أبا الحارث ، وخرج في بردين أخضرين فقيل له : ما أنت إلا بقيلة. عن الأعلام ٤ : ١٥٣.
(٣) نص رسالة خالد في العقد الفريد ١ : ١٢٩ ، ١٣٠.