ومن أعظم (١) المكايد في الحروب الكمين ، ولا يحصى كثرة كم عسكر استبيحت بيضته وفلّ غربه بالكمين ، وذلك أنّ الفارس لا يزال على جهة من الدفاع وحمى الذّمار حتّى يلتفت فلا يرى وراءه بندا منشورا ولا يسمع ضرب الطّبل ، فحينئذ همّته خلاص نفسه ، ولتكن همّتك وراء ذلك.
ومدار الحرب في اصطناع الشجعان واختيار الأبطال ، فاصطنع ذوي البسالة والإقدام والحماة والكماة ، ولا عليك أن لا يكثروا ، وبعيد عليك أن يكثروا ، ولا تنس قول الشاعر:
والناس ألف منهم كواحد |
|
وواحد كالألف إن أمر عنا |
بل قد جرّب ذلك فوجد الواحد خيرا من العشرة الآلاف وسأحكي لك من / [س ٩٠] ذلك ما تقضي فيه بالعجب ، فهم في الجيش وإن قلّوا كالإنفحة (٢) في اللبن.
فمن (٣) ذلك لمّا التقى المستعين الصغير ابن هود (٤) مع الطّاغية ابن رذمير النصرانيّ ـ قصمه الله ـ على مدينة وشقة من ثغور بلاد
__________________
(١) النقل من سراج الملوك بشيء من التصرّف ٢ : ٦٨٤ ـ ٦٨٥.
(٢) الإنفحة ـ بتشديد الحاء المهملة وتخفيفها ـ مادة تستخرج من معدة الرضيع من العجول والجداء أو نحوهما بها خميرة تجبّن اللبن (عن محقق سراج الملوك).
(٣) سراج الملوك ٢ : ٦٨٥.
(٤) ابن هود ت ٥٠٣ ه ـ ١١٠٩ م : أحمد (المستعين) بن يوسف (المؤتمن) ابن أحمد (المقتدر) ابن سليمان بن محمد بن هود ، رابع ملوك الدولة الهودية (من دول الطوائف بالأندلس) وكان مقام ملوكها في سرقسطة. ولي بعد وفاة أبيه سنة ٤٧٨ ه وكان من الغزاة ، وله وقائع مع الإفرنج ، وكانت في أيامه وقعة وشقةHuesca سنة ٤٨٩ ه ـ ١٠٩٦ م قتل فيها نحو عشرة آلاف من جيشه واستمر في الإمارة إلى أن قتل شهيدا في معركة لدفع العدو بظاهر سرقسطة. عن الأعلام ١ : ٢٧٣.