وفي حديث ابن عون (١) عن نافع (٢) وقد كتب إليه يسأله عن دعاء المشركين فقال : إنّما كان ذلك في أوّل الإسلام ، فحيث قلنا بالتوقف عنهم ودعائهم إلى الإسلام فأمكنوا من ذلك ، فإن أجابوا كفّ عنهم ، وإن أبوا طولبوا بالجزية ، فإن أجابوا طولبوا بالانتقال إلى حيث ينالهم سلطاننا والإقامة على حكم يمكّن قهرهم أو على ما يراه الإمام مصلحة ، فإن أجابوا تركوا على شرطهم وأخذوا بالجزية ، وإن أبوا عن ذلك قوتلوا كمن بلغته الدعوة ، غرّة وبياتا وقتلا وتغريقا ، وفي إضرام النار عليهم خلاف.
روي أنّ أبا بكر الصّديق رضياللهعنه حرق قوما من أهل / [م ٣٦] الرّدة (٣). وقيل لعلّ ذلك قبل أن يبلغه النهي. فإن كان فيهم أسارى من المسلمين لم يجز تحريقهم وترسل المجانيق والعرّادات على حصونهم وقلعهم في الحصار ، وإن كان فيهم نساء وصبيان ـ وقد أرسل النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على [س ٧٠] أهل الطائف منجنيقا ـ ، وتهدم عليهم بيوتهم إن ظهر ذلك للإمام نظر (٤).
__________________
(١) ابن عون : ت ١٥١ ه : عبد الله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون الخزار البصري رأى أنس بن مالك. كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلا وورعا ونسكا وصلابة في السنة. تهذيب التهذيب ٣ : ٢١١ برقم : ٤٠٨٠.
(٢) نافع ت ٩٩ ه ـ ٧١٧ م : نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل من قريش من كبار الرواة للحديث. تابعي ثقة من أهل المدينة. كان فصيحا ، عظيم النخوة ، جهير المنطق ، يفخم كلامه ، وفيه تيه ، وكان ممن عنه ويفتى بفتواه .. تهذيب التهذيب ١٠ : ٤٠٤ والأعلام ٧ : ٣٥٢.
(٣) الأحكام السلطانية : ٥٣.
(٤) الأحكام السلطانية : ٥٢ وقد ورد في السيرة النبوية ٢ : ٦٨٣ أمر إجلاء بني النضير ، قال ابن هشام : وذلك في شهر ربيع الأول ، قال ابن إسحاق : فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) بقطع النخيل والتحريق فيها فنادوه : أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل والتحريق فيها؟ وإنما كان رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) يعاقبهم على غدرهم وعلى نقضهم المواثيق. وهناك خلاف حول تاريخ هذا الحديث. انظر فتح الباري ـ