الأندلس ـ جبرها الله ـ وكان العسكران كالمتكافئين ، كلّ واحد منهما يراهق عشرين ألف مقاتل بين خيل ورجال ، فمن حضر الوقيعة من الأجناد قال : لمّا دنا اللقاء قال الطاغية ابن رذمير لمن يثق بعقله ومراسته للحروب من رجاله : استعلم لي من في عسكر المسلمين من الشجعان الذين نعرفهم كما يعرفوننا ، من غاب منهم ومن حضر؟
فذهب ثمّ رجع فقال : فيهم فلان وفلان حتّى عدّ سبعة رجال ، فقال : انظر الآن من في عسكري من الرجال المعروفين بالشجاعة ومن غاب منهم ، فعدّوهم فوجدوهم ثمانية رجال لا يزيدون. فقام الطاغية ضاحكا مسرورا وهو يقول : يا بياضك من يوم.
ثمّ تناشبا الحرب فلم تزل المضاربة بين الفريقين ، ولم يولّ واحد منهم دبره ولا تزحزح عن مقامه حتّى فني أكثر العسكرين ولم يفرّ واحد منهم. ولمّا كان وقت العصر نظروا إلينا ساعة ثمّ حملوا علينا [م ٦٩] حملة واحدة وداخلونا مداخلة وفرّقوا بيننا ، وصرنا شطرين ، وحالوا بيننا وبين أصحابنا وصاروا بيننا ، فكان ذلك سبب وهننا وضعفنا ، ولم تقم الحرب إلا ساعة ونحن في خسارة معهم. فأشار مقدّم العسكر على السلطان أن ينجو بنفسه فكسر عسكر [س ٩١] المسلمين وتفرّق جمعهم ، وملك العدوّ مدينة وشقة. فليعتبر ذو الحزم والبصيرة في جمع يحتوي على أربعين ألف مقاتل ، ولا يحضر من الشجعان المعدودين إلا خمسة عشر. وليعتبر بضمان العلج بالظّفر والغنيمة لمّا زاد في أبطاله رجل واحد (١).
__________________
(١) انتهى النص في سراج الملوك.