إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ويحك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن (١) إلى نحور الخيل شيئا ، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم ثم الق الصّبّاء (٢) على متون الخيل ، فإن كانت لك لحقك من وراءك ، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك.
قال : لا والله لا أفعل ، إنك قد كبرت وذهل عقلك.
قال دريد" : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ، ثمّ أنشأ يقول :
يا ليتني فيها جذع |
|
أخبّ فيها وأضع |
أقود وطفاء الزّمع |
|
كأنّها شاة صدع (٣) |
وكان قتيبة بن مسلم (٤) يقول / [س ٥٦] لأصحابه :
__________________
(١) بيضة هوازن : جماعتهم.
(٢) الصبّاء جمع صابىء ، يريد المسلمين. كانوا يسمونهم بهذا الاسم لأنهم عندهم صبؤوا عن دينهم ، أي خرجوا من دين الجاهلية إلى الإسلام. عن حاشية العقد ١ : ١٣٣.
(٣) الخبر والشعر في السيرة النبوية ٢ : ٨٨٥. والجذع : الصغير السن بلا تجربة أخبّ وأضع من الخبب والوضع وهما ضربان من السير. ووطفاء الزمع : الفرس طويلة الشعر. والشاة : الوعل. والصّدع : ليس بالعظيم ولا الحقير.
(٤) قتيبة بن مسلم ٤٩ ـ ٩٦ ه ـ ٦٦٩ ـ ٧١٥ م : قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي ، أبو حفص ، أمير ، فاتح ، من مفاخر العرب ، كان أبوه كبير القدر عند يزيد بن معاوية ، ونشأ هو في الدولة المروانية ، فولي الري في أيام عبد الملك وخراسان في أيام ابنه الوليد ، ووثب لغزو ما وراء النهر فتوغل فيها وافتتح كثيرا من المدائن كخوارزم وسجستان وسمرقند وغزا أطراف الصين ، وضرب عليها الجزية .. واشتهرت فتوحاته فاستمرت ولايته ثلاث عشرة سنة وهو عظيم المكانة مرهوب الجانب ، ولما استخلف سليمان وكان يكره قتيبة ، فأراد قتيبة الاستقلال بما في يده ، وجاهر بنزع الطاعة ، واختلف عليه قادة جيشه فقتله وكيع بن حسان التميمي بفرغانة ، وكان مع بطولته دمث الأخلاق ، داهية ، طويل الروية ، راوية للشعر ، عن الأعلام ٥ : ١٨٩.