مخلّفيهم ما يسعهم ولا يضيعون معه فإنهم ماتوا في خدمة المسلمين ، وقد قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «من ترك كلّا أو ضياعا فإليّ أو عليّ» ومن شاخ منهم أو زمن أجري عليه ما يقوم به وبعياله على السّعة ، وحذف له ما كان يجري عليه من أجل فرسه وسلاحه ومؤونة سفره.
وعلى الجند مع ذلك الجدّ عند اللقاء والصبر عند البلاء ، فإن كانت لهم الغلبة فليمعنوا في الطّلب ، وإن تكن عليهم فليقصروا الأعنّة وليجمعوا الأسنّة وليذكروا أخبار غد.
قال عبد الله بن عباس لصعصعة بن صوحان (١) : من الفارس فيكم؟ حدّ لي حدّا أسمعه منك فإنك تضع الأشياء مواضعها يا بن صوحان.
قال : الفارس من قصر أجله في نفسه ، وضغم على أصله بضرسه ، وكانت الحرب أهون عليه من أمسه ، ذلك الفارس إذا وقدت الحرب ، واشتدّ بالأنفس الكرب وتداعوا للنّزال وتراجعوا للقتال وتخالسوا المهج واقتحموا بالسيوف اللّجج.
قال : أحسنت والله يا بن صوحان ، إنّك لسليل أقوام كرام خطباء فصحاء ما ورثت هذا عن كلالة. زدني.
قال : نعم ، الفارس كثير الحذر مديد النّظر [م ٧٦] يلتفت بقلبه ولا يدير خرزات صلبه.
__________________
(١) صعصعة بن صوحان ت ٥٦ ه ـ ٦٧٦ م : صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي ، من سادات عبد القيس ، من أهل الكوفة ، مولده في دارين قرب القطيف ، كان خطيبا بليغا عاقلا ، له شعر ، شهد صفين مع عليّ ، وله مع معاوية مواقف. نفاه المغيرة من الكوفة إلى جزيرة أوال في البحرين فمات فيها عن نحو سبعين عاما. عن الأعلام.