رحمهالله ـ يرزق الإمام جندا يكونون حواليه في موضع سكناه وفي الثغور التي لا يستقلّ أهلها بأنفسهم على عدوّهم ، يقوى بهم على دفاع من أراد الفساد أو عند إنفاذ الحقّ عليه ، ولا يكون ذلك الجند إلّا من خيار الناس وأهل الدين والحظّ الصالح من العلم من أهل الجد ومن ذوي الأحساب الذين يأنفون من الفرار ، ويكون فيهم العدد الصالح من أبناء المهاجرين والأنصار ـ رضياللهعنهم ـ فهم أحقّ الناس بالبرّ والرّفعة وبالدّفع عن الدّين وعن الخلافة ، ويكون فيهم أيضا من جميع قبائل العرب ، وقطعة من أبناء من أسلم من العجم من أهل الدين والعلم أيضا ، فواحد من ذوي البصائر ممّن يقاتل ديانة وحفيظة خير وأغنى في الحوزة من ألف لا يقاتلون إلا طمعا ، وقد تقدّم قبل ذكر رتبهم ونظارهم ليدفع ببعضهم تعصّب سائرهم وتزاح عللهم في السلاح الكامل المنتخب والخيل الفرّه والجنائب المعدّة ، والزوامل لما لا بدّ منه. ويطرح ما أمكن أن يستغنى عنه من آلات أهل السّرف. ويأمر الإمام نظّارهم بتعاهدهم بإقامة الصلوات والسؤال عن الدين واجتناب [س ١٠٣] الفواحش ، ولا يكون شغلهم إلا هذا والتدرب في العمل بالسلاح وعلى الخيل والمسابقة بها وعلى الإقدام ، ولا يكن فيهم ذمّيّ أصلا ولا من لا يدري فرائض الإسلام ولا رقيع ولا خليع ولا كثير الشّغب بطول لسانه ، فليبعد أهل هذه الصّفة وليوقعوا تحت الرّقبة الشديدة. فمن مات من الجند أو قتل أجري على
__________________
ـ الظاهري أبو محمد ، عالم الأندلس في عصره وأحد أئمة الإسلام ، ولد بقرطبة وكانت له ولأبيه من قبله الوزارة وتدبير المملكة ، فزهد فيها وانصرف إلى العلم والتأليف فكان من صدور الباحثين فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة بعيدا عن المصانعة ، وانتقد كثيرا من العلماء والفقهاء ، فتمالؤوا على بغضه وأجمعوا على تضليله ، وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم على الدنو منه ، فأقصته الملوك وطاردته ، فرحل إلى بادية ، (لبلة) من بلاد الأندلس فتوفي فيها وله مصنفات كثيرة. عن الأعلام ٤ : ٢٥٤.