فمثل العداوة والعدوّ مثل النار إن تداركت أوّلها سهل إطفاؤها وإن تركتها حتى يستحكم ضرامها صعب مرامها وتضاعفت بليّتها.
فمن حزم المرء أن لا يحتقر عدوّا وإن كان ذليلا ولا يغفل عنه وإن كان حقيرا ، فالشرّ تحقره وقد ينمى (١) [س ٨٥].
وفي حكمة سليمان بن داود عليهماالسلام : الشرّ حلو أوّله ، مرّ آخره (٢).
فالحرب كالنار تكون شعلة ثم ترجع سعيرا. فإذا قاتلت فلا تبذل مهجتك وقوّتك من أوّل وهلة / [م ٦٦] لئلا يأتي معظمها فتعجز وتكلّ ، ولا تنشب في حرب وإن وثقت بشدّتك حتّى تعرف وجه التخلّص منها فمن استضعف عدوّه فقد اغترّ ، ومن اغترّ بقوّته فقد وهن ، والحازم يحذر عدوّه على كلّ حال ، المواثبة إن قرب والغارة إن بعد ، والكمين إن انكشف ، والاستطراد إن ولّى.
وقد قالوا : لتكن أشدّ ما تكون من عدوّك حذرا ما كنت عند نفسك أكثر قوة وعددا ، فليس من القوّة التورّط في الهوّة. قال هدبة العذري (٣) :
ولا أتمنّى الشرّ والشرّ تاركي |
|
ولكن متى أحمل على الشرّ أركب |
ولست بمفراح إذا الدهر سرّني |
|
ولا جازع من صرفه المتقلّب (٤) |
__________________
(١) سراج الملوك ٢ : ٦٧٧.
(٢) العقد ١ : ٩٤
(٣) هدبة العذريّ ت ٥٠ ه ٦٧٠ م : هدبة بن خشرم بن كرز من بني عامر بن ثعلبة ، من سعد هذيم من قضاعة ، شاعر فصيح مرتجل راوية ، من أهل بادية الحجاز بين تبوك والمدينة ، وذكر صاحب الأغاني أن هدبة كان راوية الحطيئة. قتل في آخر حياته رجلا وهرب ثم استسلم لوالي المدينة سعيد بن العاص فحبسه ثلاث سنوات ثم سلمه إلى أهل القتيل فقتلوه.
عن الأعلام ٨ : ٧٨.
(٤) البيتان في العقد ١ : ٩٩