وعن صهيب (١) أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان يحرّك شفتيه بشيء يوم حنين بعد صلاة الفجر. فقالوا : يا رسول الله ، إنّك تحرّك شفتيك بشيء؟ فقال : إنّ نبيّا ممن كان قبلكم .. ثم قال كلمة معناها : أعجبته كثرة أمّته فقال : لن يروم أحد هؤلاء بشيء. فأوحى الله إليه أن خيّر أمّتك بين إحدى ثلاث :
١ ـ إمّا أن أسلّط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم.
٢ ـ وإمّا أنّ أسلّط عليهم الجوع.
٣ ـ وإمّا أن أرسل عليهم الموت.
فقالوا : أمّا الجوع والعدوّ فلا طاقة لنا بهما ، ولكن الموت / [م ٤٠] فأرسله الله عليهم فمات في ليلة واحدة سبعون ألفا ، وأنا أقول : اللهمّ بك أحاول وبك أصول وأقاتل(٢).
__________________
(١) صهيب ٣٢ ق. ه ـ ٣٨ ه ـ ٥٩٢ ـ ٦٥٩ م : صهيب بن سنان بن مالك من بني النمر بن قاسط ، صحابي من أرمى العرب سهما ، وله بأس ، وهو أحد السابقين إلى الإسلام ، كان أبوه من أشراف الجاهليين ولّاه كسرى على الأبلّة «البصرة» وكانت منازل قومه في أرض الموصل على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل وبها ولد صهيب ، فأغارت الروم على ناحيتهم فسبوا صهيبا وهو صغير فنشأ بينهم فكان ألكن ، واشتراه منهم أحد بني كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمي ، ثم أعتقه ، فأقام بمكة يحترف التجارة إلى أن ظهر الإسلام فأسلم «ولم يسبقه إلا بضعة وثلاثون رجلا» فلما أزمع المسلمون الهجرة إلى المدينة كان صهيب قد ربح مالا وفيرا من تجارته ، فمنعه مشركو قريش وقالوا : جئت صعلوكا حقيرا فلما كثر مالك هممت بالرحيل؟! قال : أرأيتم إن تركت مالي تخلّون سبيلي؟ قالوا : نعم. فجعل لهم ماله أجمع. فبلغ النبي (صلىاللهعليهوسلم) ذلك فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب ، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها. وتوفي في المدينة وكان يعرف بصهيب الرومي ـ الإصابة ٣ : ٣٥٤ برقم ٤٠٩٩ والأعلام ٣ : ٢١٠.
(٢) مسند أحمد ٤ : ٣٣٢.