وحال بينه وبين أصحابه ورجّى الضّعفاء وقوّى قلوبهم ، وأمدّهم بالكلام الجميل ، وشجّع نفوسهم ، فمن وقع أقامه ، ومن وقف حمله ، ومن كردس (١) عن فرسه كشف عنه حتّى ييأس العدوّ منه وهذا أحمدهم.
وعن هذا قالوا : المقاتل وراء الفارّين كالمستغفر / [م ٥٩] من وراء الغافلين (٢).
قال هشام بن عبد الملك (٣) لأخيه مسلمة بن عبد الملك (٤) : أبا سعيد ، هل دخلك ذعر قطّ لحرب أو عدوّ؟
قال : ما سلمت في ذلك من ذعر ينبّه على حيلة ، ولم يغشني ذعر فيسلبني رأيي.
قال هشام" صدقت هذه والله الشّجاعة (٥).
__________________
(١) كردس : هنا بمعنى وقع وهي في المعجم بمعنى كردس القائد الخيل أو الجيش أي جعله كراديس.
(٢) وبعد ذلك : ومن أكرم الكرم الدفاع عن الحرم. سراج الملوك ٢ : ٦٧١ وقد نقل عنه بتصرف.
(٣) هشام بن عبد الملك ٧١ ـ ١٢٥ ه ـ ٦٩٠ ـ ٧٤٣ م : هشام بن عبد الملك بن مروان من ملوك الدولة الأموية بالشام ، ولد في دمشق وبويع فيها بعد وفاة أخيه يزيد سنة ١٠٥ ه. وخرج عليه زيد بن علي بن الحسين سنة ١٢٠ ه بأربعة عشر ألفا من أهل الكوفة ، فوجّه إليه من قتله وفلّ جمعه ، ونشبت في أيامه حرب هائلة مع خاقان الترك في ماوراء النهر انتهت بمقتله واستيلاء العرب على بعض بلاده اجتمع في خزانته من المال مالم يجتمع في خزانة أحد من ملوك بني أمية في الشام. وبنى الرصافة قرب الرقة ، وكان يسكنها في الصيف وتوفي فيها.
كان حسن السياسة ، يقظا في أمره ، يباشر الأعمال بنفسه. عن الأعلام.
(٤) مسلمة بن عبد الملك ت ١٢٠ ه ـ ٧٣٨ م : مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، أمير قائد من أبطال عصره ، من بني أمية في دمشق ، يلقب بالجرادة الصفراء ، له فتوحات مشهورة. سار في مئة وعشرين ألفا لغزو القسطنطينية في دولة أخيه سليمان. وولاه أخوه يزيد إمرة العراقين ثم أرمينية. وغزا الترك والسند سنة ١٠٩ ومات بالشام. الأعلام ٧ : ٢٢٤.
(٥) انظر الخبر في عيون الأخبار ١ : ١٧٢ والعقد الفريد ١ : ١٠٤