قال الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(١) وقال النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «يد الله على الجماعة ما ائتلفت قلوبهم» (٢) فمن فرّ عرّض الباقين للقتل وذلك لا يحلّ.
ومنها أن تفرّ الجماعة بأسرها للعجز عن المصابرة ، فإن طمعوا في النجاة جاز على وجه التحيّز والامتناع وإن لم يطمعوا في النجاة لم يجز الفرار (٣).
وأمّا إن انحاز بالجمع قائده أو أميره أو رئيس يجتمع إليه فذلك جائز كما فعل خالد بن الوليد يوم مؤتة لمّا قتل الأمراء قبله فلم يعنّفه النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنّ فعل ذلك على وجه النظر والحكم لغلبة الظنّ بالسلامة والله أعلم (٤).
وأمّا ما يفعله أهل الفشل والخور والخذلان في هذا الزمن من الانهزام عند رؤية العدوّ قلّ أو كثر قبل التّلبّس بالقتال ومدافعة الأبطال وتعريض الضّعفاء لما قد جرت به العادة الرّذلة من القتل والأسر فهذا ما
__________________
(١) سورة الصف ٦١ : ٤.
(٢) ورد الحديث في شرح السير الكبير : يد الله مع الجماعة فمن شذّ شذّ في النار. شرح السير الكبير ١ : ٣٣.
(٣) انظر هذه الأحكام في نهاية الأرب ٦ : ١٦٠ وما بعدها والأحكام السلطانية ٤٥. وفي شرح السير الكبير ١ : ١٢٣ ـ ١٢٥.
(٤) يوم مؤتة استشهد أولا زيد بن حارثة ثم استشهد جعفر بن أبي طالب ثم استشهد عبد الله بن رواحة «ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان ، فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلما أخذ الراية دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس». انظر السيرة النبوية ٢ : ٨٣٣ (ذكر غزوة مؤتة).