واختلف في المعتبر بالمثليّة : هل النظر إلى صورة العدد إذ هو ظاهر الآية وبه قال ابن القاسم وجمهور أصحاب / [م ٤٥] مالك. أو النظر إلى القوّة والجلد إذ هو المقصود وعليه المعوّل في المدافعة. رواه ابن الماجشون (١). وهذا إن علمت القوة والجلد ، فإن جهل ذلك اعتبر العدد بلا خلاف واختلف فيمن عجز عن مصابرة اثنين وأشرف على القتل إن ثبت ، هل يجوز انهزامه؟ فقالت طائفة : لا يجوز وإن قتل للنصّ على ذلك. وقالت طائفة : يجوز ناويا التحرّف والتحيّز على قول عمر : أنا فئة لكل مسلم ، فيسلم من القتل. ومن تأثّم خلاف النصّ فلن يعجز عن النيّة إن عجز عن المصابرة.
وقال أبو حنيفة : النصّ منسوخ والاعتبار به التفضيل ، وعليه أن يقاتل ما أمكنه وينهزم إذا عجز عن المصابرة وخاف القتل. وفي هذا المذهب على هذا القول أنّ الانهزام لا يكون إلّا بعد القتال لقوله : يقاتل ما أمكنه وينهزم إذا عجز عن المصابرة فلا ينهزم على ذلك ولا يجوز له إلّا بعد القتال وإلّا فلا وبذلك يتبيّن العجز.
ثم النظر في الانهزام يحتمل وجوها :
منها أنّه لا يقطع بالنجاة في انهزامه ولا يظنّ به السلامة فلا يجوز إذ لعلّه يقتل مدبرا ولا ينجيه الفرار
ومنها أنه قد يكون مع جماعة يجني عليها بفراره الخلل والفشل إن فرّ عنها وحده فيكون سببا لقتلهم ، فإنّ الجماعة بعضها ببعض ولذلك
__________________
(١) ابن الماجشون ٢١٢ ـ ٨٢٧ م : عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله التيمي بالولاء ، أبو مروان ، ابن الماجشون فقيه مالكي فصيح ، دارت عليه الفتيا في زمانه وعلى أبيه قبله ، أضرّ في آخر عمره وكان مولعا بسماع الغناء في إقامته وارتحاله. عن الأعلام ٤ : ١٦٠.