وقال عمرو بن معد يكرب :
الفزعات ثلاث ، فمن كانت فزعته في رجليه فذلك الذي لا تقلّه رجلاه. ومن كانت فزعته في رأسه فذلك الذي يفرّ عن أبويه ، ومن كانت فزعته في قلبه فذلك الذي يقاتل (١).
والأخلاق الطبيعية هي التي تصحب الإنسان في كافّة أموره ، وهي عسيرة الانتقال أو ممتنعته ، وذلك لأنّها من مقتضى تركيب الجسم وكيفية المزاج ، فإنّ الحكمة التي لا تفاوت فيها قضيت بمناسبة الحامل لمحموله وإتباع العرض لجوهره. فأمّا الأخلاق المتصنّعة والعرضيّة فلا اعتبار بها ، فقد نجد الجبان ربّما شجع والبخيل ربّما سخا. ، هؤلاء ليسوا في مثل هذا جارين على ما توجبه طبائعهم وتقتضيه كيفيّة أمزجتهم ، لكن الأمور حادثة إذا قدّر عدمها بطل ذلك التصنّع ، والنفس أقوى شيء إذا وجدت سبيل الحيلة ، وهي أضعف شيء إذا يئست من الحيلة.
فمن الأمور المشجّعة توهّم الخلاص قريبا ، وتوهّم الأمر المخوف إمّا مفقودا وإمّا بعيدا. ومنها أن يتوهّم العدة التي يلقى بها الأمر المخوف قريبة منه ، ومنها أن يتخيّل أنّ له أعوانا كثيرة أو قوما يمنعونه أن ينال بشرّ ، ومنها أن يكون قد أشرف على الأمر العظيم مرارا كثيرة وتخلّص منه فإنّ هذا يكسبه شجاعة التجربة.
قال خالد بن الوليد عند موته ـ رحمة الله تعالى عليه ـ لقد لقيت
__________________
(١) الخبر في العقد ١ : ١٣٨.