ومما ينبغي للمحرّض أن يستعمله في ذلك الكلام الفصيح القريب من فهم عامّة زمانه وأهل مكانه ، ويستطيبه الجمهور مع موافقة الألفاظ الشرعية التي ترغّب في الآخرة وتزهّد في الدنيا ، وتقوّي القلوب وتشدّ النفوس ، وتنبّه على قوّة اليقين ، وتحضّ على الدرجة العليا ، وتبيّن فضل الشهادة ، وتوقظ الهمم ، وتغرس الشجاعة في القلب ، وتثمر الأنفة من العار ، وتعلّم الحياء من الله تعالى ، وتعلّم أنه حاضر لا يغيب ، وشاهد لا يغفل ، ورقيب على كل نفس ، وناظر لكلّ فعل / [م ٣٣] وربما استعمل البليغ في تضاعيف كلامه نظر الجليل سبحانه إلى الفئتين واطلاعه على الفريقين ، ومباهاته الملائكة بأهل الثبات والصبر ، وجوده على الصابرين بالنصر ، ويذكر ما في الفرار من المقت العاجل والآجل وما في الثبات من العزّ الثابت غير الزائل ، وحنو البهائم على أولادها ، والطير على أفراخها ، وأنّ الذبّ عن الأطفال / [س ٦٥] والعيال من أفعال كرام الرّجال ، وأنّ المسلم ألوف عطوف حامي الذمار كريم الجوار ، وأنّ أهل الدين الواحد كالجسد الواحد ، والحرّ لا يسلّم أولياءه كما لا يفارق أعضاءه ، وكذلك يعظّم الإسلام وأهله ، ويقبّح فرع الكفر وأصله ، ويذكر عزّة المسلم عند الحفيظة والحقيقة ، وذلّة الكافر إذا تخلّل فريقه ، قال الله تعالى (بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(١)(أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(٢) وقال سبحانه : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(٣) ومن الشعر اللائق بذلك قول الجحّاف بن حكيم (٤) :
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
(٢) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.
(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
(٤) الجحّاف بن حكيم ت نحو ٩٠ ه ـ ٧٠٩ م : الجحّاف بن حكيم السّلميّ ، فاتك ، ثائر ، شاعر ، كان معاصرا لعبد الملك بن مروان ، وغزا تغلب بقومه فقتل منهم كثيرين ، فاستجاروا بعبد الملك فأهدر دم الجحاف ، فهرب إلى الروم فأقام سبع سنين. ومات عبد الملك فأمنه الوليد فرجع. عن الأعلام ٢ : ١١٣.