قال (١) : وسمعت أستاذنا القاضي أبا الوليد الباجي (٢) ـ رحمهالله ـ قال : بينما المنصور بن أبي عامر (٣) في بعض غزواته إذ وقف على نشز من الأرض مرتفع فرأى جيوش المسلمين بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ، قد ملؤوا السهل والجبل. فالتفت إلى مقدّم العسكر ـ وكان رجلا يعرف بابن المصحفيّ (٤) ـ وقال : كيف ترى هذا العسكر أيّها الوزير؟
قال ابن المصحفيّ : أرى جمعا كثيرا وجيشا واسعا.
__________________
(١) النقل من سراج الملوك ٢ : ٦٨٦ ، ٦٨٧.
(٢) أبو الوليد الباجي سبقت ترجمته.
(٣) المنصور بن أبي عامر ٣٢٦ ـ ٣٩٢ ه ـ ٩٣٨ ـ ١٠٠٢ م : محمد بن عبد الله بن عامر بن محمد بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري القحطاني ، أبو عامر ، المعروف بالمنصور بن أبي عامر ، أمير الأندلس في دولة المؤيد الأموي ، وأحد الشجعان الدهاة ، أصله من الجزيرة الخضراء ، قدم قرطبة شابا طالبا للعلم فبرع واستخلف على قضاء كورة (ريّة) ثم عهد إليه بوكالة السيدة (صبح) أم هشام المؤيد ، فولي النظر في أموالها وضياعها وعظمت مكانته عندها وولي الشرطة والسكة والمواريث وأضيف إليه القضاء بإشبيلية ، ولما مات المستنصر الأموي كان المؤيد صغيرا ، وخيف الاضطراب ، فضمن ابن أبي عامر لأم المؤيد سكون البلاد واستقرار الملك لابنها وقام بشؤون الدولة وغزا وفتح ودامت له الإمرة ٢٦ عاما غزا فيها بلاد الإفرنج ٥٦ غزوة لم ينهزم له فيها جيش ، وكانت الدعوة في أيامه للمؤيد (وهو محتجب عن الناس) والملك لابن أبي عامر لم يضطرب عليه شيء منه أيام حياته لحسن سياسته وعظم هيبته. مات في إحدى غزواته بمدينة سالم. وكان محبا للعمران عن الأعلام ٦ : ٢٢٦.
(٤) ابن المصحفي ت ٣٧٢ ه ـ ٩٨٢ م : جعفر بن عثمان بن نصر ، أبو الحسن ، الحاجب المعروف بالمصحفي ، وزير ، أديب أندلسيّ ، من كبار الكتّاب ، وله شعر كثير جيد ، أصله من بربر بلنسية ، استوزره المستنصر الأموي إلى أن مات ، وولي جزيرة ميورقة في أيام الناصر ، ولما ولي الحكم استوزره وضمّ إليه ولاية الشرطة وآلت الخلافة إلى هشام المؤيد بن الحكم ، فتقلّد حجابته وتصرّف في أمور الدولة ، وقوي عليه المنصور بن أبي عامر ، فاعتقله وضيّق عليه ، ثم صادره في ماله ، ثم قتله وبعث بجسده إلى أهله. الأعلام ٢ : ١٢٥.