بينهم بما فيه الشرّ من ذلك ، فإنّ جميع ما ذكرنا تنفق فيه الأموال والحيل ، واللقاء تنفق فيه الأرواح والرؤوس.
ووجوه (١) الحيل لا تحصى ، والحاضر فيها أبصر من الغائب ، ولله درّ المهلّب لمّا كتب إليه الحجّاج يستعجله في حرب الأزارقة ، جاوبه بأن قال : إنّ من البلاء أن يكون / [م ٦٨] الرأي عند من يملكه لا عند من يبصره.
ومن الحزم (٢) المألوف عند سوّاس الحروب أن يكون حماة الرجال وكفاة الأبطال في القلب ، فإنه مهما انكسر / [س ٨٩] الجناحان فالعيون ناظرة إلى القلب ، فإذا كانت راياته تخفق وطبوله تدقّ ، كان حصنا للجناحين يأوي إليه كلّ منهزم ، فإذا انكسر القلب تمزّق الجناحان ، مثال ذلك أنّ الطائر إذا انكسر إحدى جناحيه ترجى عودته ولو بعد حين ، وإن انكسر رأسه ذهب الجناحان ، فلا يضرّ انكسار جناحي العسكر مع ثبات القلب ، فإنّ الفارّين يتراجعون إلى القلب ويكون الظّفر لهم. وقلّ عسكر انكسر قلبه فأفلح أو تراجع إلّا أن تكون مكيدة من صاحب الجيش فيخلي القلب قصدا وتعمّدا ولا يغادر به كبير أمر ، حتّى إذا توسّط العدوّ واشتغل بنهبه أطبقت عليه الجناحان ، فقد فعله رجال من أهل الحرب.
__________________
(١) النقل عن سراج الملوك ٢ : ٦٨٢.
(٢) النقل عن سراج الملوك ٢ : ٦٨٣ ـ ٦٨٤.