ومن تأمل التّوقيعات الصادرة عنه (١١٠) أيده الله تعالى وأحاط علما بمحصولها ، لاح له فضل ما وهب الله لمولانا من البلاغة التي فطره عليها ، وجمع له بين الطبيعي والمكتسب منها.
وأما صدقاته الجارية وما أمر به من عمارة الزوايا بجميع بلاده لإطعام الطعام للوارد والصادر فذلك ما لم يفعله احد من الملوك غير السلطان أتابك أحمد (١١١) ، وقد زاد عليه مولانا أيده الله بالتصدق على المساكين بالطعام كل يوم والتصدق بالزرع على المتستّرين من أهل البيوت!
قال ابن جزي : اخترع مولانا أيده اله في الكرم والصدقات أمورا لم تخطر في الأوهام ولا اهتدت اليها السلاطين ، فمنها إجراء الصدقة على المساكين بكل بلد من بلاده على الدّوام ، ومنها تعيين الصدقة الوافرة للمسجونين في جميع البلاد أيضا ، ومنها كون تلك الصدقات خبزا مخبوزا متيسرا للانتفاع به ، ومنها كسوة المساكين والضعفاء والعجائز والمشايخ والملازمين للمساجد بجميع بلاده ، ومنها تعيين الضحايا لهؤلاء الأصناف في عيد الأضحى ، ومنها التصدق بما يجتمع في مجابي أبواب بلاده يوم سبعة وعشرين من رمضان إكراما لذلك اليوم ، وقياما بحقه ، ومنها إطعام الناس في جميع البلاد ليلة المولد الكريم (١١٢) واجتماعهم لاقامة رسمه ، ومنها إعذار اليتامى من الصبيان وكسوتهم يوم عاشوراء (١١٣) ، ومنها صدقته على الزّمنى والضعفاء بأزواج الحرث (١١٤) : يقيمون بها
__________________
(١١٠) حول التوقيعات والعلامات يراجع المجلد الأول من التاريخ الدبلوماسي للمغرب ص ٣٠٢.
(١١١) حول أتابك أحمد الذي كان سلطان بلاد اللور والذي عمّر أربعمائة وستين زاوية والذي نحت الطرق في الجبال والصخور وسوّاها انظر ج II ، ٣١ ـ ٣٢.
(١١٢) نذكّر بأن المملكة المغربية اتخذت من هذه المناسبة : مناسبة للاحتفال بعيد المولد منذ عهد بني مرين ، وقد أصبح هذا العيد ضمن الأعياد الرسمية للمغرب ، وإلى يوسف بن يعقوب بن عبد الحق يرجع تاريخ الظهير الذي صدر إلى سائر عمال المغرب باقرار الاحتفال بعيد مولد النبي صلىاللهعليهوسلم أواخر القرن السابع الهجري. د. التازي : لماذا عبد المولد في الغرب الإسلامي ، يراجع التعليق ٧٧.
د. التازي : الإلمام بمن وافق حكمه للمغرب استهلال المائة عام. دعوة الحق العدد ٢٢٣ شوال ١٤٠٢ ـ يوليه ١٩٨٢ ، راجع التعليق ٧٧.
(١١٣) يلاحظ أن عاشوراء تكتسي في المغرب صبغة ادخال السرور على الأهلين ، وكأنّ ذلك يرمز إلى تنسيتهم النكبة التي حلت بحفدة الرسول صلىاللهعليهوسلم في كربلاء ، وقد اعتاد الشيعة في المشرق أن يقوموا في هذه المناسبة بتظاهرات من شكل آخر تهدف إلى تحسيس الناس بتلك المناسبة الحزينة ، ولكن الوسيلة تختلف ، ففي المغرب يفرحون الأطفال لتنسيتهم ، وفي المشرق «يحرمونهم» من الوسائل الترفيهية لتذكيرهم أيضا!!
(١١٤) كل الذين تحدثوا عن أزواج الحرث عربا وعجما أخطأوا في معرفة القصد من هذا التعبير المغربي الأصيل ، فتعبير (حرث زوجين) يعني مساحة من الأرض على نحو الفدّان ، وبعضهم قدرها بنحو ١٥ هكتار ، والزوجان هنا ليس الذكر والأنثى كما فهم بعض التراجمة!! ولكن القصد بها الثوران أو البغلان اللذان يجران المحراث ... فكان العاهل يعطي قطعا أرضية : مقدار حرث زوجين لكل فرد مع اعفاء الأرض الممنوحة من اللوازم الجبائية وقد يكون العطاء أزواجا كثيرة وقد ورد هذا الاستعمال عند ابن مرزوق في المسند الصحيح الحسن ، وأورد دوزي نموذجا : «وهو يقف على أزواج له تحرث بفحص البلوط في ضيعته» أمر أن يجعل صاحب الخراج على كل زوج يحرث ثمانية دنانير أصاب أم لم يصب ـ وكان قد جعل على كل زوج يحرث ثمانية دنانير وخفف عن الناس وأسقط عنهم ما وضع على الأزواج ... وهكذا فترجمة التعبير ترجمة صحيحة : Paires de boeufs Pour labourer la erre