أودهم ، ومنها صدقته على المساكين بحضرته بالطّنافس الوثيرة والقطائف الجياد يفترشونها عند رقادهم ، وتلك مكرمة لا يعلم لها نظير ، ومنها بناء المارستانات في كل بلد من بلاده ، وتعيين الأوقاف الكثيرة لمؤن المرضى وتعيين الأطباء لمعالجتهم والتصرف في طبّهم (١١٥) ، إلى غير ذلك مما أبدع فيه من أنواع المكارم وضروب المآثر كافى الله أياديه وشكر نعمه.
وأما رفعه للمظالم عن الرعية فمنها الرتب التي كانت توخذ بالطرقات ، أمر أيده الله بمحو رسمها وكان لها مجبى عظيم فلم يلتفت إليه ، وما عند الله خير وأبقى (١١٦) ، وأما كفه أيدي الظلام فأمر مشهور ، وقد سمعته أيده الله ـ يقول لعماله : لا تظلموا الرعية! ويؤكد عليهم في ذلك الوصية.
قال ابن جزي : ولو لم يكن من رفق مولانا أيده الله برعيته إلا رفعه التّضييف الذي كانت عمّال الزكاة وولاة البلاد تأخذه من الرّعايا ، لكفى ذلك أثرا في العدل ظاهرا ، ونورا في الرفق باهرا ، فكيف وقد رفع من المظالم وبسط من المرافق ما لا يحيط به الحصر.
وقد صدر في أيام تصنيف هذا من أمره الكريم في الرفق بالمسجونين ورفع الوظائف الثّقيلة التي كانت توخذ منهم ما هو اللائق بإحسانهم والمعهود من رأفته ، وشمل الأمر بذلك جميع الاقطار ، وكذلك صدر من التنكيل بمن ثبت جوره من القضاة والحكام ما فيه زاجر الظّلمة وردع المعتدين!
وأما فعله في معاونة أهل الاندلس على الجهاد ومحافظته على إمداد الثغور بالاموال والاقوات والسلاح وفتّه في عضد العدو بإعداد العدد وإظهار القوة فذلك أمر شهير لم يغب علمه عن أهل المغرب والمشرق ولا سبق إليه أحد من الملوك (١١٧).
__________________
(١١٥) لعل من هذه المارستانات المنتشرة في المغرب ، ما ذكره ابن الخطيب في كتابه (نفاضة الجراب ...) أنه حين دخل مدينة أسفي عام ٧٦١ ـ ١٣٦٠ وجد بها المارستان الذي كان ناظره الشيخ أبو الضياء الجزيري أما مارستان فاس الذي كان بسوق الحنّاء بجوار العطارين وكان يحمل اسم سيدي فرج (هدم مع الاسف) فقد كان ناظره أبا فارس عبد العزيز القروي المتوفى ٧٥٠ ـ ١٣٥٠ وقد ذكره الشيخ بناني في حواشي الزرقاني عند قول الشيخ خليل في فصل غسل الميّت عند قوله (أو نسي معه مال) .. وقد تحدث ابن الوزان عن عدة مارستانات بفاس كانت في غابة الرونق والاتقان ... عن مخطوطة حول الملاجئ الخيرية الاسلامية في الدولة الموحدية والمرينية للشيخ عبد الحي الكتاني انظر د. التازي المنشآت الصحية بالمغرب ، مجلة مجمع اللغة العربية بعمان دجنبر ١٩٨١.
(١١٦) القرآن الكريم ـ سورة ٢٨ الآية ٦٠ وكذا سورة الشورى ٤٢ الآية ٣٦.
(١١٧) حول المساعدة اللامشروطة التي كان يقدمها السلطان أبو عنان لأخيه أبي الحجاج ملك غرناطة يكفي أن نرجع لهذه الملفات الثقيلة من المراسلات المتبادلة التي كانت تجمع على أن مكاسب السلطان أبى عنان بالمغرب الكبير هي مكسب للقضية الأندلسية برمتها وكان الشاهد في كل هذا لسان الدين ابن الخطيب ... وسنقف في هذا الصدد على المشاورات التي كانت قائمة ودائمة بين غرناطة وفاس من أجل توحيد الموقف ازاء قشتالة ، ومن الطريف أن نقرأ في لائحة الهدايا المتبادلة اسرابا من الخيول المغربية الذاهبة إلى الأندلس وأسرابا كذلك من انواع الصقور المهداة لأبي عنان الذي كان من أكبر هواة القنص بالصقر ابن الخطيب : ريحانة الكتاب مصدر سالف الذكر ـ د. التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٧ ، ٩٠ ـ ٩٦ ...