قال ابن جزي : حسب المتشوف إلى علم ما عند مولانا أيده الله من سداد النظر للمسلمين ودفاع القوم الكافرين ما فعله في فداء مدينة طرابلس إفريقية فإنها لما استولى العدوّ عليها ومد يد العدوان إليها ورأى أيده الله أن بعث الجيوش إلى نصرتها لا يتأتى لبعد الاقطار كتب إلى خدّامه ببلاد افريقية أن يفدوها بالمال ، ففديت بخمسين الف دينار من الذهب العين ، فلما بلغه خبر ذلك ، قال : الحمد لله الذي استرجعها من أيدي الكفار بهذا النزر اليسير ، وأمر للحين ببعث ذلك العدد إلى افريقية ، وعادت المدينة إلى الإسلام على يديه(١١٨) ، ولم يخطر في الأوهام أن أحدا تكون عنده خمسة قناطير (١١٩) من الذهب نزرا يسيرا حتى جاء بها مولانا أيده الله مكرمة بعيدة ، ومأثرة فائقة قلّ في الملوك أمثالها وعز عليهم مثالها.
ومما شاع من أفعال مولانا أيده الله في الجهاد إنشاؤه الأجفان بجميع السواحل (١٢٠) واستكثاره من عدد البحر ، وهذا في زمان الصلح والمهادنة إعدادا لأيام
__________________
(١١٨) كانت مدينة طرابلس تعرضت عام ٧٥٥ ـ ١٣٥٤ للاحتلال من لدن الأميرال الجنوى فيليبّو دورياFilippo Doria في أبريل ١٣٥٥ ـ ربيع الأول ٧٥٦. وهو مالم تفت الإشارة إليه من لدن ابن فضل الله العمري في موسوعته المسالك والممالك ... ونرى من الفائدة أن نشير هنا لما أورده ابن خلدون (ج ٦ ص ٨٣٦) حول هذه الحادثة الخطيرة ، فلقد عاث الجنويون في المدينة سلبا ونهبا ، وهنا توسط أبو العباس أحمد بن مكي صاحب قابس لافتدائها من المغيرين وقد استعصى عليه ذلك لانهم طالبوا بدفع مبلغ من المال يقدر بخمسين الف مثقال من الذهب العين ، وحتى لا يترك المدينة عرضة للاحتلال فكر في أن يفتح اكتتابا يجمع بمقتضاه ما يمكن أن يساعد على تحرير طرابلس ، لكنه عجز فعلا عن أن يحصل على ما يحقق الرغبة ، ومن هنا وردت فكرة الاستنجاد بالعاهل المغربي أبي عنان الذي كان يأمل أن يبعث بجيشه لو لا بعد تلك الاقطار ... وقد هنّأ سلطان غرناطة أبا عنان بهذه المبادرة الشجاعة ، الريحانة لابن الخطيب تحقيق عنان ١٩٨٠ ج.I ص. ٣٢٤.
(١١٩) معنى هذا الكلام أن القنطار من الذهب يساوي أيام ابن بطوطة عشرة آلاف دينار ... وليس يعنى على كل حال ما يعنيه القنطار اليوم في استعمالنا!! وفي تاج العروس «والقنطار معيار ، قيل : وزن أربعين أوقية من ذهب أو الف ومائتا دينار ، وفي اللسان : ومائة دينار ، وقيل مائة وعشرون رطلا أو ألف ومائتا أوقية ، عن أبي عبيد : أو سبعون الف دينار ، وهو بلغة بربر الف مثقال من ذهب أو فضة وقيل ثمانون الف درهم قاله ابن عباس ، وقيل جملة كبيرة مجهولة من المال أو مائة رطل من ذهب وفضة إلى آخر الأقوال التي أوردها والقنطار كلمة معرّبة من اللاتينية (كنتاله) وقيل من اليونانية (كنتار يوم).
د. النعيمي : الفاظ من رحلة ابن بطوطة مجلة المجمع العلمي العراقي مجلّد ٢٤ ـ ١٩٧٤.
ـ هذا ومن المفيد أن نذكّر هنا بما سبق أن قلناه عند حديثنا عن مخطوطة الأمير مولاي العباس وتعليقه على هذا الافتداء منظرا بافتداء الحكومة المغربية لتطوان ـ انظر د. التازي : رسائل مخزنية ص ٢٩.
(١٢٠) تحدثت مصادر تاريخ المغرب بما فيها القصائد الشعرية عن الأسطول البحري على عهد ملوك بني مرين ومنهم السلطان أبو عنان ، وفي ذلك يقول ابن أبي حجلة :
قطائعها مثل النجوم قلاعها |
|
وغربانها قطع من الليل دامس |
كان مجاذيف الغراب قوادم |
|
يطير بها والنسر في الأفق كانس |
يراجع الجزنائي في زهرة الآس عن ميناء خولان بضاحية فاس ـ
Colin ـ Bulletin Decembre ٥٤٩١ Dr TAZI : la presencia de la poesia en la historia del estrecho de gibraltar sociadad Es ـ Panola de Madrid. Estudios para la comunicion erja a Traves del estrecho de Gibraltar S. A. SECEGSA ٥٩٩١