اصطفاء الرحمن قصب السّبق ، خاتم الأنبياء ، وإمام ملائكة السماء ، ومن وجبت له النبوّة وآدم بين الطين والماء ، شفيع أرباب الذنوب ، وطيب أدواء القلوب ، والوسيلة إلى علّام الغيوب ، نبي الهدى الذي طهر قلبه ، وغفر ذنبه ، وختم به الرسالة ربه ، وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبّه ، الشفيع المشفع يوم العرض ، المحمود في ملإ السماء والأرض ، صاحب اللواء المنشور يوم النشور ، والمؤتمن على سرّ الكتاب المسطور ، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور ، المؤيد بكفاية الله وعصمته ، الموفور حظّه من عنايته ونعمته ، الظل الخفاق على أمّته ، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا ، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا ، فائدة الكون ومعناه ، وسر الوجود الذي يبهر الوجود سناه ، وصفيّ حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه ، البشير الذي سبقت له البشرى ، ورأى من آيات ربّه الكبرى ، ونزل فيه (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) من الأنوار من عنصر نوره مستمدّة ، والآثار تخلق وآثاره مستجدّة ، من طوي بساط الوحي لفقده ، وسدّ باب الرسالة والنبوّة من بعده ، وأوتي جوامع الكلم فوقفت البلغاء حسرى دون حدّه ، الذي انتقلض في الغرر الكريمة نوره ، وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره ، وطفقت الملائكة تجيئه وفودها ونزوره ، وأخبرت الكتب المنزلة على الأنبياء وصفاته ، وأخذ عهد الإيمان به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته ، المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر ، والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر ، ذو المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحس ، وأقرّ بها الجنّ والإنس ، من جماد يتكلّم ، وجذع لفراقه يتألّم ، وقمر له ينشقّ ، وحجر يشهد أن ما جاء به هو الحق ، وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس ، وماء من بين أصابعه يتبجّس ، وغمام باستسقائه يصوب ، وطويّ بصق في أجاجها فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب ، المخصوص بمناقب الكمال وكما المناقب ، المسمى بالحاشر العاقب ، ذو المجد البعيد المرامي والمراقب ، أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب ، ونجحت لديه قربة البعيد المقترب ، سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، الذي فاز بطاعته المحسنون ، واستنقذ بشفاعته المذنبون ، وسعد باتباعه الذي لا خوف عليهم ولا هم يخزنون صلى الله وسلّم ما لمع برق ، وهمع ودق ، وطلعت شمس ، ونسخ اليوم أمس :
«من عتيق شفاعته ، وعبد طاعته ، المعتصم بسببه ، المؤمن بالله ثم به ، المستشفي بذكره كلّما تألم ، المفتتح بالصلاة عليه كلّما تكلّم ، الذي إن ذكر تمثل طلوعه بين أصحابه وآله ، وإن هبّ النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله ، وإن سمع الأذان تذكر صوت بلاله ، وإن ذكر القرآن تردّد جبريل بين معاهده وخلاله ، لاثم تربه ، ومؤمل قربه ، ورهين طاعته وحبّه ، المتوسل به إلى رضى الله ربّه ، يوسف بن إسماعيل بن نصر :
«كتبه إليك يا رسول الله والدمع ماح ، وخيل الوجد ذات جماح ، عن شوق يزداد كلّما