نقص الصبر ، وانكسار لا يتاح له إلّا بدنوّ مزارك الجبر ، وكيف لا يعني مشوقك الأمر ، وتوطأ على كبده الجمر ، وقد مطلت الأيام ابلقدوم على تربك المقدسة اللحد ، ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد ، وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت ، والركائب إليك ما رحلت ، والعزائم قالت وما فعلت ، والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح ، وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح ، فيالها من معاهد فاز من حيّاها ، ومشاهد ما أعطر ريّاها ، بلاد نيطت بها عليك التمائم (١) ، وأشرقت بنورك منها النجود والتهائم ، ونزل في حجراتها عليك الملك ، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك ، مدارس الآيات والسور ، ومطالع المعجزات السافرة الغرر ، حيث قضيت الفروض وحتمت ، وافتتحت سورة الرحمن وختمت ، ابتدئت الملّة الحنيفيّة وتممت ، ونسخت الآيات وأحكمت :
«أما والذي بعثك بالحق هاديا ، وأطلعك للخلق نورا باديا ، لا يطفئ غلّتي إلّا شربك، ولا يسكن لوعتي إلا قربك ، فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك ، وأصبح بعد أداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك ، وعفّر الحدّ في معاهدك ومعاهد أسرتك ، وتردد ما بين داري بعتتك وههرتك ، وإنّي لما عاقتني عن زيارتك العوائق ، وإن كان شغلي عنك بك ، وعدتني الأعداء فيك عن وصل سبي بسببك ، وأصبحت بين بحر تتلاطم أمواجه ، وعدوّ تتكاثف أفواجه ، ويحجب الشمس عند الظهيرج عجاجه ـ في طائفة من المؤمنين بك وطنّوا على الصبر نقوسهم ، وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ، ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم ، واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم ، يطيرون من هيعة إلى أخرى ، ويلتفتون والمخاوف عن يمنى ويسرى ، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى ، لا يبلغون من عدوّ هو الذرّ عند انتشاره ، عشر معشاره ، قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا ، لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا ، فيا له من سرب مروع ، وصريخ إلا منك ممنوع ، ودعاء إلى الله وإليك مرفوع ، وصبية حمر الحواصل ، تخفق فقو أوكارها أجنحة المناصل ، والصليب قد تمطّى فمدّ ذراعيه ، ورفعت الأطماع بضبعيه ، وقد حجبت بالقتام السماء ، وتلاطمت أمواج الحديد ، والبأس الشديد ، فالتقى الماء ، ولم يبق إلا الدّماء ، وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون ، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تشاهده العيون ، إلى أن نلقاك غدا إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر ، وأرغمنا الكفر ، وأعملنا في سبيل الله تعالى وسبيلك البيض والسّمر ـ استنبت (٢) رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي بجناح خافق ، وتسعد من نيتي التي تصحبها برفيق موافق ، فتؤدّي عن عبدك وتبلّغ ، وتعفّر الحدّ في تربك وتمرّغ ،
__________________
(١) نثر فيه قول الأعرابي :
بلاد بها نيطت علي تمائمي |
|
وأول أرض مس جلدي ترابها |
(٢) استنبت : جواب «لما» التي وقعت قبل سطور عديدة.