فِيهِ ) ( البقرة : ٢ ) ، أي لا ريب أنّه منّزل من جانب الله سبحانه.
أضف إلى ذلك أنّ الجمع بين هذه الآية وقوله سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( النحل : ٤٤ ) وقوله سبحانه : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ( القيامة : ١٦ ـ ١٩ ، ، يقضي ، بأنّ المراد هو وضوح مفاهيمه الكليّة لا خصوصياته وجزئياته كما أوضحناه.
ثانياً : لمّا كان القرآن كتاباً خالداً انزل ليكون دستور البشريّة مدى الدهور ، ومعجزة الرسالة الإسلامية الخالدة ، تطلّب ذلك أن يكون ذا أبعاد وبطون يكتشف منه كل جيل ، ما يناسب عقله وفكره وتقدّمه وترقّيه في مدارج الكمال والصعود ، وقد أشار الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام إلى هذا الأمر حيث قال عن القرآن وعلّة خلوده وغضاضته الدائمة : « إنّ الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس ، فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة » (١).
فكأنّ القرآن الكريم ـ في انطوائه على الحقائق العلميّة الزاخرة ، وعدم إمكان التوصل إلى أعماقه ـ هو النسخة الثانية لعالم الطبيعة الواسع الأطراف ، الذي لا يزيد البحث فيه والكشف عن حقائقه وأسراره ، إلاّ معرفة أنّ الإنسان لا يزال في الخطوات الاولى من التوصّل إلى مكامنه الخفيّة وأغواره ، فإنّ كتاب الله تعالى كذلك لا يتوصّل إلى جميع ما فيه من الحقائق والأسرار ، لأنّه منزّل من عند الله الذي لا يضمّه أين ولا تحدّده نهاية ، ولا تحصى أبعاد قدرته ، ولا تعرف غاية عظمته.
إذن ، فكون القرآن أمراً مبيّناً لا ينافي أن تكون له أبعاد متعدّدة ، وأفاق كثيرة ، يكون البعد الواحد منه واضحاً مبيّناً دون الأبعاد الاُخرى.
ولهذا ، فإنّ الوقوف على البطون المتعددة بحاجة إلى ما روي من روايات وأخبارحول الآيات ، وما ورد في السّنّة من النصوص المبيّنة والأحاديث الموضّحة ،
__________________
(١) البرهان في تفسير القرآن ١ : ٢٨.