والتعليم ولهداية البشريّة وتهذيبها ، وذلك يقتضي أن ينزل القرآن بألوان مختلفة من الخطاب تناسب ما تقتضيه طبيعة التربية والتعليم ، ومن هنا نشأ في أسلوب القرآن : المطلق والمقيّد ، والعام والخاصّ ، والمنسوخ والناسخ ، والمحكم والمتشابه ، والمجمل والمبيّن كمفاهيم الصلاة والزكاة والحج والجهاد وغيرها ... فهي رغم كونها واضحة في أول نظرة ولكنّها مجملة من حيث الشروط والأجزاء والموانع والمبطلات والتفاصيل.
فكان لابدّ أن يتولّى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بيان مجمله ومطلقه ومقيده ... وما شابه ذلك ، وقد فعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك بقدر ما تطلّبه ظرفه واقتضته حاجة المسلمين ... بيد أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكشف القناع عن جميع تفاصيل هذه الاُمور وجزئياتها قاطبة ، لعدم الحاجة إلى ذلك ، وتحيّناً للظروف المناسبة ، وانتظاراً للحاجات والحالات المستجدّة. وإن كان قد أخبر عن اُصولها واُمهاتها أو معظمها ، فتعيّن أن يخلّف النبيّ ـ من يماثله بالعلم والدراية بالوحي الإلهيّ المدوّن في الكتاب العزيز ، ليسدّ مسدّه في بيان ما يتعلق بالكتاب من اُمور مستجدّة ، ويكشف النقاب عن بقية الجزئيات والتفاصيل لتلك المجملات حسب الظروف والحاجات الجديدة والضرورات الطارئة ، ممّا أودع النبيّ عنده من معارف الكتاب وعلومه ، ويخرج إلى الاُمّة من تلكم المعارف شيئاً فشيئاً.
نعم ، قال شيخ الطائفة الطوسيّ رحمهالله في تفسير قوله سبحانه : ( حم * وَالْكِتَابِ المُبِينِ ) ( الزخرف : ١ ـ ٢ والدخان : ١ ـ ٢ ).
( إنّما وصف بأنّه مبين ، وهو بيان مبالغة في وصفه بأنّه بمنزلة الناطق بالحكم الذي فيه ، من غير أن يحتاج إلى استخراج الحكم من مبيّن آخر ، لأنّه يكون من البيان ما لا يقوم بنفسه دون مبيّن حتّى يظهر المعنى فيه ) (١).
ولكن الصحيح أنّ توصيف القرآن بكونه كتاباً مبيّناً ، هو وضوح انتسابه إلى الله ، بحيث لا يشك أحد في كونه كلام الله والآية نظير قوله سبحانه ( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ
__________________
(١) التبيان ٩ : ٢٢٤ ( طبعة النجف الأشرف ).