هذا إضفاء طابع الشرعيّة على اكتناز الأموال الطائلة الذي كان يقوم به جماعة من بطانة الخليفة كما يشهد بذلك التأريخ.
ولكن عثمان لم يستطع تحقيق هذا المطلب فقد عارضه أبّي بن كعب ، واعترض عليه هذا التغيير الطفيفة اللفظي في الظاهر.
وهذا يكشف عن مدى حفظ الاُمّة لنصّ الكتاب بهذه الصورة الدقيقة الأمينة. بيد أنّ حفظ الاُمّة كان محدوداً لا يتجاوز هذا الحدّ ، إذ كان غير شامل لجوانب اخرى من الشريعة واُصولها ومصادرها وينابيعها.
ويدل على ذلك :
أوّلاً : أنّ الامّة اختلفت في تفسير الكثير من آيات القرآن ، وبيان مقاصده ومعارفه اختلافاً جرّ إلى تعدّد المذاهب ، ونشوء الاتّجاهات المختلفة ، والتيارات المتضاربة وكلّ يتمسّك بالكتاب وربّما بالسنّة.
فمن جبريّة إلى معتزلة ، إلى صفاتيّة إلى خوارج ، إلى مرجّئة ، وشيعة ، وكلّ منها يتفرع إلى فرق وطوائف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في العقيدة والمسلك ، وفي الاُصول والفروع (١).
فهل يمكن أن يكون كلّ ذلك هو الحقّ الذي تضمّنه القرآن ، ودعا إليه ؟!!
أليس ذلك يدل على أنّ الاُمّة لم تبلغ في الإحاطة بالشريعة والنضج الفكريّ الإسلاميّ ذلك المستوى الذي يؤهلها لحفظ الاُصول والفروع ، والمحافظة على ما يتّصل بالكتاب والسنة ، وطرح ما لا يمتّ إليهما بصلة.
ثانياً : أنّ التأريخ يشهد بأنّ الأمّة الإسلاميّة ـ في عصر الخلفاء ـ يوم اتّسعت رقعة البلاد الإسلاميّة واستوعبت شعوباً كثيرةً ، شهدت دخول جماعات عديدة من أحبار
__________________
(١) راجع للوقوف على هذه المذاهب وفروعها : الملل والنّحل للشهرستانيّ والفرق بين الفرق وغيرهما ممّا ألّف في هذا المجال.