أذهانهم ممّا قبل الإسلام ، حيث كانوا يعيّنون الأمير والرئيس بالبيعة ؟
والحقّ أنّ هاتين النقطتين في خلافة أبي بكر قابلتان للمناقشة و التحقيق والتأمّل فنقول : (١)
أمّا النقطة الاُوّلى : فإنّ دراسة التأريخ الإسلاميّ في هذه القظية خير دليل على أنّ خلافة أبي بكر لم تأت نتيجة مشاركة الاُمّة الإسلاميّة في اختياره وانتخابه للحكم والقيادة ، بل لم ينتخبه إلاّ أربعة أنفار لا غير ، وهؤلاء النفر هم ، عمر بن الخطاب وأبو عبيدة من المهاجرين وبشير بن سعد واسيد بن حضير من الأنصار. وأمّا الباقون من رجال الأوس لم يبايعوا أبا بكر إلاّ تبعاً لرئيسهم أسيد بن حضير ، في حين غاب عن هذا المجلس كبار الصحابة وأفاضلهم كالإمام عليّ بن أبي طالب ، والمقداد ، وأبي ذر وحذيفة بن اليمان ، وأبّي بن كعب وطلحة والزبير ، وعشرات اخرين من الصحابة.
كما أنّ الخزرجيين ـ رغم حضورهم في السقيفة ـ امتنعوا من البيعة لأبي بكر.
وحتّى لو سلّم بوقوع الانتخاب المزعوم فإنه لا ريب كان فريداً من نوعه ، لأنّه لم يقترع فيه الحاضرون على أبي بكر كما هو المتّبع في الانتخابات الحرّة المتعارفة ، بل تمّ بمبادرة ( عمر ) إلى مبايعة أبي بكر ، ثمّ بايعه المهاجر الآخر وبايعه بشير ورئيس الأوس أسيد بن حضير ، وتبعه الأوسيون ... بينما تخلّف الخزرجيون الحاضرون في السقيفة عن مبايعة أبي بكر ... كما تبين لك ذلك من ما ذكرناه سابقاً ... من تهاجيهم.
ثمّ أخذوا البيعة من كلّ من صادفوه في الطريق خارج السقيفة ، واستمرّ ذلك إلى ستة أشهر بالتهديد والترغيب ... وهذا أمر واضح لمن درس تاريخ السقيفة وما تلاها من الأحداث والوقائع.
__________________
(١) البحث عن النقطة الاولى ، بحث في الصغرى وهو كون خلافة أبي بكر كانت بالانتخاب الشعبيّ.
والبحث عن النقطة الثانية ؛ بحث عن الكبرى أي كون صيغة الحكومة بعد وفاة رسول الله ـ بلا فصل ـ هي تعيين الخليفة باسلوب المبايعة ، واللازم على القارئ أن لا يخلط بين الأمرين.