وممّا يدلّ على أنّ تعيين الخليفة والقائد بهذا النمط الذي تمّ في السقيفة كان أسلوباً يعتمد على ما كان مرتكزاً ومترسِّباً في نفوسهم ممّا قبل الإسلام ، أنّهم لم يلتفتوا ولم يعتنوا ـ في تعيين الخليفة ـ بالشروط اللازمة في الحاكم الإسلاميّ ، ولم يستندوا في ذلك إلى أصل قرآنيّ واسلاميّ لتصحيح عملهم ـ في وقته ـ كآيات الشورى والمشورة ، أو الآيات التي تضمنت كلمة البيعة ، بل كان كلّ من الطائفتين المتنازعتين على نيل الرئاسة والقيادة ، يرجِّح نظره وموقفه باُمور لا أساس لها في الإسلام ولا عبرة بها في تعيين الحاكم وتقرير مصير الحاكميّة كالنسب والنصرة ، حيث ادّعى المهاجرون أنّ الخلافة يجب أنّ تكون فيهم لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان من قريش ، وعارضهم الأنصار بأنّهم أولى بالخلافة ، لأنّهم آووا الرسول ونصروه وفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم.
ومن المعلوم ، أنّ ما استندوا إليه واستدلوا به من الملاكات لم تكن ملاكات إسلاميّة في تعيين الخليفة.
وإلى عدم اعتبار تلك الملاكات الواهية ، يشير الإمام عليّ عليهالسلام وينتقد أهل السقيفة على تمسكهم بها إذ يقول محتجاً عليهم :
فإن كنت بالشّورى حججت خصيمهم |
|
|
فكيف بهذا والمشيرون غيّب |
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم |
|
|
فغيرك أولى بالنّبيِّ وأقرب (١) |
أمّا ما ورد في كلامه عليهالسلام من الاستدلال بالشورى. ورأي المهاجرين والأنصار وأهل الحلّ والعقد ، فلم يكن إلاّ لإبطال ادِّعاء معاوية في الخلافة من باب إفحام الخصم بما يعتقده ويدّعيه ، وذلك لأنّ موضوع القيادة ـ كما أسلفناه ـ ، كان ينحصر في التنصيص والاستخلاف ، وهوما ظلّ يعتقد به المسلمون بعد الرسول حتّى انّهم قد بنوا سيرتهم العمليّة عليه.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٤١٦.