هذا كله في البحث عن النقطة الاولى ، أي البحث عن الصغرى وهو هل كان انتخاب الخليفة الأوّل انتخاباً شعبياً أو لا ؟
وأمّا النقطة الثانية : أعني البحث عن الكبرى أي كون صيغة الحكم بعد رسول الله بلا فصل هو تفويض الأمر إلى الاُمّة لانتخاب القائد عن طريق البيعة.
نقول : أنّ تعيين القائد والرئيس بهذه الكيفيّة ( أي البيعة ) لم يكن تعليماً إسلاميّاً ، سار على ضوئه من حضر في السقيفة وأخذوا به بما أنّه قانون نصّت عليه الشريعة ، وأتى به الإسلام.
لأنّ تعيين الحاكم في منطق الدين الإسلاميّ لم يكن بمبايعة أحد على ذلك ، وما قد يتبادر إلى الذهن من وقوع ذلك مع الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ بايعه بعض الناس أو بايعه اصحابه ، فإنّ تلك البيعة لم تكن إلاّ بعد الإقرار بنبوّته وحاكميّته وقيادته وكانت البيعة بمثابة إظهار الإخلاص والوفاء القلبيين له ، وعهداً لفظياً وظاهرياً على التقيد بطاعته ، وتنفيذ اوامره في الحروب والوقائع المهمّة ، لا أنّ البيعة كانت بمعنى نصبه للقيادة ، فالقيادة كانت مجعولة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من جانب الله تعالى ، وهي لا تخضع للبيعة وعدم البيعة.
وعلى كلّ حال ، فإنّ البيعة كانت بعد الإقرار بالقيادة النبويّة المجعولة إلهيّاً ولأجل الإخلاص والوفاء للنبيّ المعترف بنبوّته قبلاً.
ومن المحتمل جداً أنّ طريقة تعيين الخليفة بالبيعة له التي تمّت في السقيفة وبموجبها عيّنوا الخليفة كانت تقليداً لما كان مرتكزاً في نفوس البعض ممّا قبل الإسلام ، حيث كان المتبع في الجاهلية إذا أرادوا أن ينصبوا لأنفسهم رئيساً بايعوا أحداً ، وكانت البيعة بمعنى نصبه للقيادة ، وبمثابة جعل الإمرة والرئاسة لشخص (١).
__________________
(١) وسيوافيك عند البحث عن طرق انتخاب الحاكم ، أنّ البيعة المذكورة في الآيات القرآنيّة لم تكن إلاّ تأكيداً لاعترافهم بالنبوّة وقيادة النبيّ المجعولة من جانب الله سبحانه ، ولطمأنة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما يكنّون له من إخلاص وثبات.