وفي عبارة رابعة قال مجيباً على اعتراض أبي عبيدة الجّراح على الإمام حرصه على الخلافة والإمرة : « بل أنتم ـ والله ـ أحرص وأبعد وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه وتصرفون وجهي دونه » (١).
ووجه الدلالة لهذا الكلام العلويّ يتّضح إذا درسنا هذا الحقّ الذي يدّعيه الإمام لنفسه ، ماهيّته وحقيقته.
وفي عبارة خامسة يقول الإمام عليهالسلام : « فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقّي مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى يوم النّاس هذا » (٢).
والعجيب ، أنّ ابن أبي الحديد فسّر هذا ( الحقّ ) الذي صرّح به الإمام في مواضع عديدة بما يخالف ظاهره. إذ قال ما توضيحه :
إنّ الإمام لمّا كان أقرب الناس إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان أعلمهم وأعدلهم كان له بذلك ( حقّ طبيعيّ ) بأن يكون هو الخليفة ، وأن يقع اختيار الاُمّة عليه للقيادة والإمرة ، غير أنّ الاُمّة ـ مع ماله من الحقّ المذكور ـ عدلت عنه ، وقدّمت المفضول على الفاضل لمصلحة كانت تراها ، فعمد الإمام إلى التظلّم والشكوى واللوم على الناخب والمنتخب.
فالحقّ الذي يدّعيه الإمام عليهالسلام في هذه العبارات ، والذي حرمته قريش وأزالته عنه ليس حقّاً شرعيّاً ، وليس انتخاب غيره عدولاً عن أمر الشرع ، بل كان حقاً طبيعيّاً ، وعقليّاً واجباً يوجب على الإنسان ان لا يعدل مع وجود الأعلم إلى العالم ، ومع وجود الأفضل إلى المفضول ، ومع وجود اللائق إلى غير اللائق ، بل لابدّ أن يعطى زمام الأمر إلى العالم المستجمع لشرائط القيادة روحيّاً وجسميّاً.
بيد أنّ هذا التوجيه والتفسير ، ينبع عن رأي مسبّق اتخذه صاحبه ، ودرس ( الحقّ ) مستنداً على ذلك الرأي والموقف المسبّق وهو غير مقبول.
__________________
(١) نهج البلاغة لعبده : الخطبة ١٦٧.
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٥٩.