فإنّه إذ ذهب إلى تصحيح خلافة الخلفاء الذين تسلّموا قيادة المسلمين بعد الرسول ، صار إلى تأويل هذه العبارات وتفسير الحقّ على النحو المخالف لظواهرها الواضحة.
والناظر إلى هذه العبارات والعارف بكلمات الإمام عليهالسلام يعلم أنّ الإمام يقصد غير ما قاله ابن ابي الحديد ، فإنّه :
أوّلاً : يعتمد على كلمة ( الوصاية ) ، وهو يبطل بصراحة ما أدّعاه ابن أبي الحديد إذ المراد من الوصاية هو إيصاء النبيّ بالخلافة والولاية الشرعيّة له بعده.
وكلمات الوصاية هذه وردت في كلمات كثيرة للإمام مرّ عليك بعضها في العبارات السابقة ، كما وصف الإمام بها في بعض كلمات المسلمين وأشعارهم (١).
ثانياً : إنّ اللياقة التي توجد في الإمام عليّ عليهالسلام لا تولّد لوحدها حقّاً لعليّ عليهالسلام ما لم ينضّم إليه انتخاب الاُمّة على مبنى ابن أبي الحديد ، الذي يرى أنّ الخلافة عمليّة انتخابيّة ، فإنّ الحقّ في الخلافة على هذا المبنى يعتمد على أمرين :
١. اللياقة الذاتيّة.
٢. انتخاب الشعب.
فلو انتفى أحد الجزئين ، انتفى الحقّ في الخلافة ، فلا يبقى حقّ لكي يدّعيه الإمام ويركّز عليه.
وبتعبير آخر : إنّ أمر القيادة لو كان راجعاً إلى المشاورة والاستفتاء ومفوّضاً إلى انتخاب الصحابة أو أهل الحلّ والعقد ، فإذا لم ينتخبوا أحداً لا يكون الشخص ذا حقّ في الخلافة والإمرة والقيادة ، وإن كان ذا فضائل وكفاءات وصفات قياديّة ، ولا يعدّ العدول عنه عدولاً عن الحقّ ، وميلاً إلى الظلم والإجحاف بأحد ، مع أنّ كلمات الإمام عليهالسلام صريحة في أنّ هذا العدول كان عدولاً من الحقّ إلى غير الحقّ إذ قال : « وأجمعوا
__________________
(١) لاحظ شرح النهج ١ : ١٤٣ ـ ١٥٠.