تحقيق خطوطها ورسم معالمها على ضوء الكتاب والسنّة.
والغريب ، أنّ هذه المسائل تهمل ولا يعتني بها كتابنا الأوائل والحال أنّنا نجد بعض مؤرخينا السالفين ، دأبوا على تكريم الظالمين وكالوا لهم الثناء بغير حساب ، وسخّروا تفكيرهم وجهودهم للإطراء على سرفهم وترفهم ، وأعمالهم السيئة فحفلوا ـ فيما كتبوه من تاريخ ـ حتّى بحياة المشعوذين والمجانين ، بل وأحوال غلمان الملوك وقردتهم والمغنيّن والراقصين ، ونمثل لذلك بكتاب ( الأغاني ) لأبي فرج الأصفهانيّ المتوفّى عام (٣٥٦) الذي حفل بكلّ مغنّ ومغنيّة وكلّ راقص وراقصة ، وكلّ شاذّ وشاذّة ، ونقل أشعارهم المائعة وقصائدهم الماجنة ، وكتب في ألوان الألحان والأصوات وذكر الأشعار الموافقة لألحانها مع تراجم شعرائها والمغنيّن بها ... بينما غفل اولئك الكتّاب عن الكتابة والتأليف عن الحكومة الإسلاميّة وخطوطها وخصوصيّتها وما ورد في شأنها في الكتاب والسنّة إلاّ عدّة مختصرات مرّت عليك ، وهو لا يكشف إلاّ عن عدم الاهتمام بهذا الأمر الحيويّ ، هذا وسيقف القارئ الكريم على أنّ صيغة الحكومة في العصور الحاضرة هو التنصيص أيضاً لكن لا على العين والشخص بل على الوصف والمواصفات.
وبعبارة أخرى : إنّ صيغة الحكومة في هذه العصور هي انتخاب الاُمّة للحاكم حسب الضوابط المنصوص عليها في الكتاب والسنّة أو كون الحاكم الأعلى مرضيّاً عند الاُمّة بعد أن يكون متّصفاً بالضوابط الشرعيّة.
وهذا هو الذي يتجلى لك بالتفصيل والبرهان في الصفحات القادمة ، ولا يرجع هذا النمط إلى النظام الدارج في الغرب وفي كثير من البلاد الاُخرى في العالم الثالث.
إذ في الأنظمة الديمقراطيّة السائدة اليوم ، يكفي مجرّد اجماع الشعب ، أو أكثريّته على اختيار فرداً للحكم والرئاسة ، بغضّ النظر عمّا يجب أن تتوفّر في الحاكم والرئيس الأعلى من مؤهّلات وكفاءات عالية تتوقّف عليها عمارة البلاد وسعادة العباد.
بينما يختلف الأمر عن ذلك في ظلّ النظام الإسلاميّ الذي يحصر حقّ الحاكميّة في الله وحده.