فإنّ كونه خليفةً لله في الأرض لا يقتصر على ما ذكر ، بل يعمّ كونه خليفةً فيها في ( الحكم والحاكميّة ) أيضاً ، إذ من المعلوم أنّه إذا كان الإنسان مسؤولاً ـ بالخلافة ـ عن تعمير البقاع ومكلّفاً بالعناية بالبهائم وتدبير شؤونها ، فإنه بالأحرى مسؤول ومكلف بتدبير أمر نفسه ومجتمعه. وهذا ما نعبر عنه بخلافته عن الله في الاُمور الاجتماعيّة والاعتباريّة ( الحاكميّة ).
وعلى ذلك يكون معنى استخلاف الله للإنسان ، أنّه خوّل إليه أمر القيادة وتدبير مجتمعه ، وممارسة ( الحكم والولاية ) في إطار الضوابط والسنن التي جاء بها الدين.
وفي هذا الصدد يقول العلامة الطباطبائيّ في تفسيره ( الميزان ) : ( انّ الملائكة فهموا من قوله سبحانه ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) أنّ الخلافة لا تقع في الأرض إلاّ بكثرة من الأفراد وقيام وضع اجتماعيّ بينهم ، وهو يفضي بالتالي إلى الفساد والسفك ، والخلافة وهي قيام شيء مقام الآخر لا تتمّ إلاّ بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجوديّة وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف.
وبما أنّ الخليفة الأرضيّ بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف بهذا المعنى الجامع تساءل الملائكة.
ثمّ أنّه سبحانه أجاب عن هذا التساؤل بأنّ هناك مصالح في خلقه ما لا تعرفه الملائكة ولم تقف عليه ) (١).
فخلافة الإنسان عن الله لا تنحصر بالاُمور التكوينيّة من عمارة الأرض وغيرها ، بل تعمُّ حاكميّته وقيادته نيابةً عن الله سبحانه ، فهو بوجوده الفردي يحكي عن أسمائه وصفاته ، وبوجوده الاجتماعيّ يمثّل حاكميّة الله العليا في الأرض.
وبذلك يظهر أنّ حاكميته تنبثق من خلافته.
* * *
__________________
(١) الميزان ١ : ١١٥.