فهو بما أنّه خليفة الله يحكي ـ بوجوده ـ قدرة الله المستخلف له ، وعمله ، فهو يتفنّن ويبتدع ، ويكتشف ، ويستخرج ، ويجدّ ، ويعمل ، فيجعل الحزن سهلاً والماحل خصباً ، والخراب عمراناً ، والبراري بحاراً أو خلجاناً ، ويولّد بالتلقيح أزواجاً من النبات ، وقد يتصرف في أبناء جنسه من أنواع الحيوان كما يشاء بضروب التربية والتغذية ، والتوليد حتّى ظهر التغيير في خلقتها ، وخلائقها ، وأصنافها فصار منها الكبير والصغير ، ومنها الأهليّ والوحشيّ ، فهو ينتفع بكلّ نوع منها ويسخِّره لخدمته ، كما سخّر القوى الطبيعيّة ، وسائر المخلوقات.
أليس من حكمة الله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى ، أن جعل الإنسان بهذه المواهب خليفته في الأرض يقيم سننه ، ويظهر عجائب صنعه ، وأسرار خليقته ، وبدائع حكمه ، ومنافع أحكامه ؟ وهل وجدت آية على كمال الله ، وسعة علمه أظهر من هذا الإنسان ، الذي خلقه على أحسن تقويم ، وإذا كان الإنسان خليفته بهذا المعنى فكيف تعجب الملائكة منه (١).
ولأجل خلافة الإنسان عن الله سبحانه في الاُمور التكوينيّة جعل الله تعالى عمارة الأرض ، على عاتق هذا الإنسان حتّى يمثّل بعمله وتعميره للأرض تدبير الله سبحانه فقال : ( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ( هود : ٦١ ).
وكما أنّ الله سبحانه ربّ البقاع والبهائم ومدبّرها ، فإنّ الخليفة مسؤول عنها ومسؤول عن العناية بها أيضاً كما قال الإمام عليّ عليهالسلام : « إنّكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم » (٢).
وخلاصة هذا البعد هي ، خلافة الإنسان عن الله سبحانه في الاُمور التكوينيّة بما أعطي من مقدرة من جانبه سبحانه.
٢. إنّ الإنسان يخلفه سبحانه في الاُمور الاجتماعيّة ، أعني بها الاُمور الراجعة إلى القيادة والحاكميّة.
__________________
(١) تفسير المنار ١ : ٢٦٠.
(٢) نهج البلاغة : الخطبة (١٦٥).