القيام بها وأدائها دون جماعة متفرّغة لذلك ، ودون جهاز حكم يتولّى تنفيذها ، توجّب على المجتمع الإسلاميّ أن يقوم بتشكيل دولة يعهد إليها مسؤولية القيام بهذه التكاليف ، وتطبيق النظم الاجتماعيّة الإسلاميّة ، والوظائف المتوجهة إلى المجتمع أساساً ، وذلك صيانةً للمجتمع من الإنهيار ، وحفظاً لمصالحه وشؤونه ، إذ بغير هذه الصورة لن يكون هناك إلاّ الهرج والمرج والفوضى والفساد الذي يأباه الإسلام بشدّة ، وترفضه تعاليم السماء أشدّ الرفض.
من هذا البيان المقتضب ، يمكن لنا أن نستنبط كون الاُمّة والمجتمع هو مصدر السلطات الحكوميّة ، ولكن ليس مصدراً مطلقاً بل مصدراً في إطار الحاكميّة الإلهيّة والقوانين الإسلاميّة ، فالناس في الدين الإسلاميّ هم المكلفون بتشكيل الحكومة والدولة وتعيين الحاكم وانتخابه ـ إن لم يكن هناك حاكم منصوص عليه من جانب الله ـ لقيادة الاُمّة ، وإدارة شؤونها ، وتطبيق الشريعة الإلهيّة في المجالات الاجتماعيّة ، لأنّهم هم المخاطبون بالخطابات المذكورة ... ولمّا لم يكن في مقدورهم جميعاً القيام بذلك بأشخاصهم ، لزم أن يبادروا إلى استنابة من يقوم بها.
أليس المجتمع ـ حسب منطق القرآن ـ هو الذي توجه إليه الأمر بقطع السارق وحدّ الزاني وردّ المعتدي وحفظ الثغور ، وإقامة النظام الدينيّ ؟؟.
أفلا يدلّ ذلك ضمناً على أن الإسلام سمح للمجتمع الإسلاميّ بأن يشكّل الدولة التي تتولّى القيام بهذه الواجبات الاجتماعيّة ، لأنّ الإسلام جعل هذه التكاليف في عهدة المجتمع ، وطلب منه أداءها ؟ وهل يمكن للمجتمع الذي يقوم كلّ صنف من أصنافه بتكفُّل جانب ضروريّ من الجوانب المعيشيّة ، بكلّ تلك الواجبات الاجتماعيّة والإداريّة والسياسيّة ، دون جهاز حكوميّ متفرّغ ينّفذ ويراقب ويضمن إجراء القوانين الإلهيّة في المجالات المذكورة ؟
وهل يمكن أن يريد الإسلام إقامة الاُمور الاجتماعيّة والنظم الاجتماعيّ ... ولا يريد مقدّمة ذلك وهي تشكيل دولة تقوم ... وتتعهّد بتوزيع المسؤوليات وحفظ الحقوق.