نكث البيعة إنّما هو نقض للميثاق لا سواه ، وأنّ نكث البيعة من الذنوب الكبيرة ، لا أنّه عزل للحاكم ، وإزاحته عن منصب الولاية.
ولو جعل البعض ( البيعة ) إحدى الطرق لتعيين الإمام ، فليس إلاّ لأحد سببين هما :
الأوّل : أنّ البيعة كانت تقليداً من تقاليد العرب قبل الإسلام ، حيث كان رائجاً بينهم إذا مات منهم أمير أو رئيس عمدوا إلى (شخص ) فأقاموه مكان الراحل بالبيعة.
الثاني : أنّ تعيين بعض الخلفاء بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان بهذا الطراز في الظاهر ، وإن كان على غير ذلك في الباطن ، فإنّ الظاهر هو أنّ خلافة أبي بكر تمّت في السقيفة ، وانتهى كلّ شيء هناك ، ثمّ أريد من بقية الناس ـ بعد السقيفة ـ أن يبايعوا أبا بكر ، لتعميم نفوذه. فكانت بيعتهم للخليفة بمثابة التأييد والتسليم لما تمّ في السقيفة قبلاً ، وكانت خلافة عثمان قد تمت وتحققت بالشورى فكانت البيعة بعد الشورى تنفيذاً لقرارها. وإمضاءً ، لا اختياراً وانتخاباً شعبياً.
والحاصل ، أنّه ليس هناك دليل تأريخيّ ولا شرعيّ يدلّ على كون مجرّد ( البيعة ) إحدى الطرق لتعيين الخليفة ونصبه ، بغض النظر عن أيّة مواصفات أو ضوابط اُخرى.
ولأجل ذلك ، إذا راجعنا موارد البيعة التي تمّت في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجدنا ، أنّها لم يكن القصد من بيعة المبايعين هو ( تعيين الحاكم ) ، بل كان إمّا إعطاءً لميثاق الوفاء لما يأمر به النبيّ ، أو كان إضهاراً للتأييد المجدد في الحوادث الجلل التي وقعت في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم كما حدث في الحديبيّة.
ولو غضضنا الطرف عن كلّ هذا لوجب أن نقول : إنّ البيعة هي إحدى الطرق لتعيين الحاكم والرئيس ، وليس الطريق الوحيد. وفي هذه الصورة تكون ( البيعة ) متّحدةً ـ من حيث المفهوم ـ مع ما ذكرناه حول تأسيس الدولة ، ومن ضرورة انبثاقها عن رضا الاُمّة وناشئةً عن إرادتها ، غاية ما في الأمر أنّ البيعة [ التي تتحقّق بصفق اليد ] تشتمل مضافاً إلى رضا الاُمّة ، على ما يقوّي مركز الإمام والقائد والحاكم ، لما فيها من إبراز الولاء