تهجمُ عليه اللوابسُ » (١).
فإنّ من يسوس الاُمّة ويقودها دون بصيرة بالأحوال والأوضاع المحيطة بها يجرّ إليها الويل والانحراف عن جادّة الحقّ كما قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « العاملُ على غير بصيرة كالسَّائر على غير الطَّريق ، لا تزيده سرعة السير من الطريق إلاّ بُعداً » (٢).
إنّ تسليم القيادة الجماعة إلى من لا يعرف شؤون السياسة والإدارة ، ولا يحسن الولاية والإمرة ، يكون كإعطائها إلى الصبيان وهو أمر معلوم العواقب ، واضح المخاطر كما يقول الإمام عليّ عليهالسلام : « يأتي على الناس زمان لا يُقرّب فيه إلاّ الماحلُ ( أي الساعي في الناس بالوشاية ) ولا يُظرّف فيه إلاّ الفاجر ».
إلى أن قال عليهالسلام : « فعند ذلك يكون السلطانُ بمشورة النساء ، وإمارة الصبيان » (٣).
ومن المعلوم أنّ المراد من قوله عليهالسلام من إمارة الصبيان هو الإشارة إلى تفويض الاُمور إلى من لا يتمتع بالرشُد السياسيّ ، والخبرة القياديّة ، والبصيرة الإداريّة ، وليس المراد من الصبيّ ـ في المقام ـ هو غير البالغ شرعاً وذلك بقرينة أنّ الإمام يتحدث عن زمن تضيع فيه المقاييس الصحيحة للسياسة والاجتماع ، فبدل أن تسلّم فيه القيادة إلى ذوي الفهم والفكر والكفاءة تُسلّم إلى من لا يملك ذلك.
إنّ تأكيد الإسلام على هذا الشرط ـ بهذه الدرجة الكبيرة من التأكيد ـ إنّما هو لصيانة الاُمّة الإسلاميّة من التورّط في المشاكل بسبب ضعف القادة والحكام في السياسة أو غفلتهم عن مقتضيات عصرهم ، وجهلهم بمتطلبات زمانهم وضروراته ، فبسبب هذا الضعف والجهل والغفلة يمكن أن تقع الاُمّة الإسلاميّة فريسةً للمؤامرات الأجنبيّة الشرسة ، وتغدو آلةً طيّعةً بأيدي الأعداء ، لتنفيذ أغراضهم ، وتحقيق مقاصدهم ، وهو أعظم ما تصاب به الاُمم والشعوب في حياتها وتاريخها.
__________________
(١ و ٢) الكافي ١ : ٢٧ ، ٤٣.
(٣) نهج البلاغة : الحكم رقم (١٠٢).