وبالتالي فإنّ النتيجة التي يمكن الحصول عليها من النشاط الجماعيّ تفوق ما يكون فردياً لا يشارك في صنعه الآخرون ، لما في احتكاك الآراء وتبادل الأفكار وتلاحقها واجتماعها من فوائد ، على غرار ما لاجتماع القوى الماديّة وانضمامها إلى بعض وتمركزها في نقطة واحدة من الفوائد والآثار ، ولكنّ ايكال الأمر إلى فريق ـ مع ذلك ـ مجرّد اقتراح مطروح للدرس والمناقشة ، ولذلك قلنا في عنوان هذا البحث : المفتي أو فريق الإفتاء.
نعم ، إنّ الطريق الأفضل هو تقديم الأعلم والأخذ بفتواه ، وإيكال مهمّة الإفتاء إليه ريثما يتسنّى تشكيل فريق الإفتاء.
هذا ويمكن أن يتردّد البعض اتّجاه صحّة هذه الصيغة ونعني إيكال الإفتاء إلى فريق من المفتين بدل المفتي الواحد ـ رغم أنّ هذا الشكل هو أفضل نمط لهذه السلطة ـ بحجة أنّه لم يسبق له مثيل في ما مضى من الزمن.
ونجيب بأنّ أحاديث الشورى المنقولة سابقاً وفي الفصول القادمة خير دليل على صحّة وأفضليّة هذا النمط ، مضافاً إلى أنّه نقل عن سنن أبي داود أنّه قال الراوي : قلت : يا رسول الله ينزل بنا أمر ، ولم ينزل فيه قرآن ، ولم تمض سنّتك ؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اجمعُوا العالمين من المؤمنين فاجعلوهُ شورى ، ولا تقضوا فيه برأي أحد ( أي واحد ) » (١).
إنّ العمل الاجتهاديّ الجماعيّ أقلّ خطأً ، وأقرب إلى إصابة الواقع ، وأكثر قدرةً على تجاوز المشكلات وهو ما يسعى إلى تحقيقه مبدأ الشورى الذي ابتكره الإسلام وحضّ عليه أشدّ الحضّ ، وأكدّ عليه أشدّ التأكيد.
وهو مع ذلك مجرّد اقتراح مطروح للمناقشة ... والدرس بموضوعيّة وتجرّد لا أكثر.
ثمّ إنّه لا بدّ ـ في تشكيل فريق الإفتاء ـ من ملاحظة الظروف والجوانب السياسيّة والاجتماعيّة ، فلا بدّ من المشورة إذن في أصل : تشكيل مثل هذا الفريق ، فقد لا تقتضي بعض الظروف إيكال مهمّة الإفتاء إلى جماعة ، بل لا بدّ من وجود قائد واحد وإرجاع الأمر إليه وحده لما في إطاعته وحده من قوّة لشوكة المسلمين التي قد لا تتوفر في إرجاع
__________________
(١) السيوطي في الدر المنثور٧ : ٣٥٧.