ومؤدّبهم » (١).
وبالجملة أنّ الآية ناظرة إلى الاجتماعات الفاسدة الغارقة في الفساد والانحراف ... فإنّ الطريق الوحيد لإصلاحها هو الابتداء بإصلاح الذات وعدم توقّع أي إصلاح للغير قبل ذلك ؛ وأن لا يترك إصلاح نفسه بحجّة أنّ المجتمع فاسد وإليه يشير قوله سبحانه : ( لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ويؤيد ذلك قول النبيّ الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم : « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ».
فقيل : يا رسول ، من الغرباء ؟ فقال : « الَّذين يصلحون إذا أفسد الناس من سنَّتي » (٢).
وهذا الحديث يرفع التوهّم حول الآية خصوصاً إذا قرئ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يصلحون » بصيغة اللازم ، فإلى هذا المعنى تشير الآية المذكورة. وعلى أي تقدير فالآية لا ترتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تمتّ بهما بصلة.
ولقد كفى في أهميّة هذه الوظيفة أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد بلغا من الأهميّة والأثر حتّى صارا أفضل من الجهاد إذ قال الإمام عليّ عليهالسلام : « وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لجّيّ » (٣).
ووجه هذه الأفضليّة على الجهاد وسائر أعمال البرّ هو أنّ ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بكلا قسميه ( الفرديّ والاجتماعيّ ) كما سيوافيك بيانهما مكافحة داخليّة ، والجهاد كفاح خارجيّ. والاُولى متقدّمة على الثانية ، فلو لم يصلح الداخل لم يصلح الخارج ، وما دام الداخل غير مستعدّ للإصلاح لا يمكن للمسلمين أن يخطوا أيّة خطوة لإصلاح الخارج.
كما ويؤكّد ضرورة إنكار المنكر وحرمة تركه قوله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي
__________________
(١) نهج البلاغة : ـ الحكم ـ الرقم (٧٣).
(٢) جامع الاُصول ١٠ : ٢١٢ ، أخرجه الترمذي.
(٣) نهج البلاغة : قصار الحكم الرقم (٣٧٤).