أنّه حرّ ؛ لأنّ ذلك يعرّض سلامة الآخرين للخطر ، فلا بدّ أن يتحدّد تجوّله ، تجنيباً للمجتمع من كوارث ذلك المرض.
إنّ هذه الأمثلة وأشباهها توضّح أهميّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ومكانتهما ومدى أثرهما في سلامة المجتمع واستقامته وصلاحه ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظارة عموميّة ، ورقابة صارمة تمنع من تفشّي المنكر وتساعد على نمو الخير ، وازدهاره. وهما إلى جانب ذلك سبب قويّ في بقاء الدين ، واستمرار الرسالة الإلهيّة.
ولقد وردت في التأكيد على هذه المهمّة الخطيرة آيات قرآنيّة كثيرة ، وأحاديث ، تأمر الجميع بالقيام بالدعوة إلى الخير ، وإنكار المنكر ، وهي معلومة وواضحة لكلّ من له أدنى إلمام بالشريعة الإسلاميّة.
نعم ، ربّما يُتوهّم من بعض الآيات خلاف ذلك ، وهي تلك الآيات التي يتمسّك بها بعض طلاب الراحة والعافية واتّباع الهوس لسدّ باب التبليغ والدعوة ، أو للتخلّص من تحمّل مشكلاتها ، وصعوبتها ، ومن تلك الآيات قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( المائدة : ١٠٥ ).
وقد رفع المفسّرون النقاب عن وجه هذه الآية وفسّرها الأمين الطبرسيّ في تفسيره مجمع البيان بقوله : « إنّ الآية لا تدل على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل توجب أنّ المطيع لربّه لا يؤخذ بذنوب العاصي » (١).
بيد أنّ لنا توضيحاً آخر لمفاد هذه الآية وهو : أنّ الآية تشير إلى سيرة عقلائيّة وقضيّة عقليّة وهي أنّ على من يريد إصلاح المجتمع أن يبدأ بنفسه ثمّ يتعرّض لإصلاح الآخرين فما لم يصلح المرء نفسه ليس له أن يؤدّب غيره ، وإلى ذلك يشير الإمام عليّ عليهالسلام قائلاً : « من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبهُ بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلمُ نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢٥٤.