وقوله تعالى : ( إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج : ٤١ ).
فهذه الآية تشير ـ بوضوح ـ إلى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكورين في الآية هو من النوع الذي يحتاج إلى المكنة والقدرة والسلطة ، فالوصف فيه وصف للمؤمنين الذين تمكّنوا من السلطة ... وبالتالي فهو وصف للجهاز الحاكم والسلطة التنفيذيّة ، ولا يمكن إرجاعه إلى عامّة المسلمين لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتوجّبين على الكافة لا يختصّ بظرف المكنة في الأرض ، ولا يتقيد بقيد السلطة ، بل تجب مراتبه قلباً ولساناً في جميع الأحوال بل يمكن أن يقال أيضاً إنّ الدعوة والتبليغ حتى باللسان على قسمين :
قسم يمكن أن يقوم به كلّ مسلم عارف بضروريات الإسلام من واجبها وحرامها.
وقسم لا يمكن أن يقوم به إلاّ فرقة من كلّ طائفة ممّن صرفوا أوقاتهم وأعمارهم في تعلّم الدين بعمقه وتفاصيله وجزئيّاته ، وإلى ذلك يشير قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة : ١٢٢ ).
وقد سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن قول رسول الله : « اختلافُ أُمّتي رحمة » فقال : « صدقوا في هذا النَّقل » فقلت : إن كان أختلافهم رحمةً فاجتماعهم عذاب قال : « ليس حيثُ تذهب وذهبوا ، إنَّما أراد قولُ الله تعالى : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهُم الله أن ينفروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمَّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنّما أرادهم من البلدان لا اختلافهم في الدين ... إنّما الدّينُ واحد » (١).
__________________
(١) تفسير البرهان ٢ : ١٧٢ ومعاني الاخبار : ١٥٧ وعلل الشرائع ١ : ٦٠ وقد نقلها صاحب الوسائل في ٨ : ١٠١ ـ ١٠٢.