« صلاحُ ذات البين أفضلُ من عامّة الصّلاة والصّيام » (١).
بيد أنّ حلّ الاختلاف يتصوّر بوجوه هي :
إمّا بإخضاع القضيّة لسلاح القوّة ، ومنطق الغلبة الذي عبّر عنه المثل السائر بقوله : ( الحقُ لمن غلب ) ... فيكون الغالب هو المحقّ ... ولكن هذا ممّا لا يقبله ذو وجدان سليم ولا يرضاه عقل ولا دين.
أو بإخضاع القضيّة لعامل الدعاية والتبليغ الكاذب ، وإرغام الطرف الآخر على القبول بما يخالفه انخداعاً وتضليلاً ، ... وهو كذلك أمر يرفضه الدين.
أو يترك الأمر لعامل الزمن ليتجلّى الحقّ بمرور الأيام وتوالي الشهور ومضي السنين والأعوام ... وهو أمر لا تحتمله الحياة الاجتماعيّة التي تتطلّب الحلول العاجلة لمشكلاتها والمعالجة السريعة لآلامها ..
أو يترك الأمر حتّى يتعب المتنازعان فيكفّا عن المطالبة ، أو يخلّي أحدهما الآخر ، ليبطل الحقّ ، ويعود باطلاً ، ويعود الباطل حقّاً. وهو أمر يرفضه الإسلام كذلك إذ يقول الإمام عليّ عليهالسلام : « الحقُّ القديم لا يبطله شيء ».
ولقد اتّخذ الإسلام طريقاً خامساً ، وهو الذي ندبت إليه الشرائع السماويّة السابقة وتقتضيه سنّة الحياة وضرورات المجتمع ... ألا وهو حثّ المتنازعين على الرجوع إلى أهل الصلاح والتحاكم إليهم ، والخضوع لقضائهم وحكمهم ... ليرتفع التنازع ... ويعود المتخاصمون اخوة متحابّين ، ويتخلّص المجتمع من أخطار الاختلاف والتنازع. ولأجل مثل هذا الدور كانت السلطة القضائيّة الركن الثالث والأساسيّ من أركان الحكومات قديماً وحديثاً ، وكان لها من الأهميّة والمكانة ما ليس لغيرها من أركان الحكومة.
ولأجل ذلك أيضاً كان للقضاء والسلطة القضائية مكانة مرموقة في النظام
__________________
(١) نهج البلاغة : ـ قسم الكتب ـ ٤٧.