القضاء حقّ خاصّ بالله سبحانه ، وقد عهد به إلى الأنبياء ، وأوصيائهم ، ومن أقاموه لذلك المنصب ، وجعل كتبه ورسالاته مناهج لهم ، ليحكموا بما فيها ، ويقضوا بين المتنازعين والمتخاصمين على ضوء تعاليمها وأحكامها.
ولقد عهد الله بالقضاء إلى النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما عهد إليه ، كما عرفت ذلك من خلال الآيات التي مرّت عليك آنفاً ، وقد تولّى صلىاللهعليهوآلهوسلم بنفسه حلّ الخصومات والحكم بين الناس على ضوء ما أُنزل إليه من القرآن وأحكامه ، بل وعيّن ـ في زمنه ـ رجالاً صالحين للقضاء وفصل الخصومات ، قال الإمام عليّ عليهالسلام : « بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن قاضياً ، فقُلتُ يا رسول الله : تُرسلُني وأنا حديثُ السّنّ ولا علم لي بالقضاء ؟
فقال : إنّ الله سيهدي قلبك ويُثبتُ لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلاتقضي حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء.
قال : فما زلت قاضياً. ( أو ) ما شككت في قضاء بعد » (١).
كما قد بعث صلىاللهعليهوآلهوسلم معاذاً إلى اليمن وقال له : « كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ » ، قال : أقضي بكتاب الله ... الى آخر الحديث (٢).
وبذلك نعلم أنّ ما كتبه بعض المتأخّرين من أنّه لم يعرف القضاء في العهد النبويّ ولا في عهد الخلفاء ، بل هو شيء جديد أسّسه الأمويون في الشام ، أمّا قبل ذلك فإنّ العرب كانت في خلافاتها ترجع إلى طريقة التحكيم (٣) ، فهو إمّا جهل بتاريخ الإسلام ، أو افتراء واضح البطلان يقف عليه كلّ من له أقلّ إلمام بالكتاب والسنّة ، وما
__________________
(١) جامع الاُصول ١ : ٥٤٩ ، أخرجه أبو داود والترمذيّ.
(٢) جامع الاُصول ١٠ : ٥٥١ .
(٣) النظام السياسيّ : ١٢٩ ، نقلاً عن كتاب عبقريّة الإسلام في اُصول الحكم.