الموجود والمؤثّر حقيقة هو الفرد وليس للمجتمع حقيقة وراء الأفراد ... فلا بدّ أن تضمن مصالح الفرد فقط ويجوز للفرد بسبب ذلك أن يفعل ما يريد لتحقيق غاياته الماديّة فيشعل نيران الحروب لكي يبيع على المتحاربين أسلحته ومعداته ، وقع ما وقع من المآسي والويلات !!.
بينما يعتقد المواطن الآخر نقيض هذا الرأي فيرى بحكم اعتقاده بأصالة المجتمع إعطاء الأولويّة للمجتمع ومصالحه ومسائله باعتبار أنّ بقاء الفرد ببقاء المجتمع فلا بدّ أن يخضع الفرد للمجتمع خضوعاً كاملاً ويضحّي بكلّ مصالحه في سبيل مصالح المجتمع ، فلا يأخذ من نتاج يده إلاّ ما يسدّ رمقه ... لينتعش المجتمع ، وتأمن مصالحه.
لنفترض هذين المواطنين المختلفين في الرأي والمسلك ، هل يمكن أن توحّدهم رابطة الدم أو التاريخ أو اللغة أو الميلاد على أرض واحدة ؟
وهل يكمن أن يتكوّن منهما ـ والحال هذه ـ اُمّة ذات طابع خاصّ ، ووحدة متميّزة ، وضمير واحد وإحساس واحد وعلاقة واحدة.
إنّ العناصر التي ذكرها الحقوقيّون وإن كان لها تأثير ما في تجميع الأفراد على صعيد واحد ، إلاّ أنّها ما لم تنضم إليها العوامل الإراديّة الاختياريّة لا يؤول توفّرها في جماعة إلى تكوّن الاُمّة بحقيقتها وجوهرها. فإنّ هذه العناصر ما لم تنضمّ إلى عامل الوحدة العقائديّة الاختياريّ ، الذي بإمكانه أن يهدم فقدانه أيّة وحدة ناشئة من الدم أو اللغة أو التاريخ أو الأرض ، لا تحقّق ( الاُمّة ) ولو تحقّقت لا تتجاوز حقيقتها عن اجتماع الأبدان مع التفرّق في الأهواء.
من هنا لا يكون ما جاء في البند الأوّل من وثيقة حقوق الإنسان من أنّ ( ابناء الإنسان إخوة من دون أي تمييز حتّى في الدين ) وجيهاً فكيف يكون رجلان إخوة وبينهما غاية التباعد والتباين في المسلك والفكر ، أم كيف يمكن أن تحصل الاُخوّة والحال هذه ؟
إنّ وحدة الأفراد وتحقيق مفهوم الاُمّة الواحدة رهن بأن يكون الأفراد مختارين في انتخاب ( شركاء ) حياتهم ، ومن يتّحدون معه وهو أمر لا يحصل إلاّ إذا كان بين